للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهمية التواصي والتناصح بين المؤمنين]

على الجميع أن يتواصوا بهذا، وأن يتناصحوا في ذلك، كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:٢] ، والبر والتقوى توحيد الله وطاعته واتباع شريعته، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٧١] ، هذه أوصاف المؤمنين هذه أخلاق المؤمنين والمؤمنات، بعضهم أولياء بعض، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، ووحدوا الله، وانقادوا لشرعه، فهم المؤمنون بالله، من صفاتهم: أنهم أولياء، كل واحد ولي أخيه لا يغشه، ولا يكذب عليه، ولا يظلمه، ولا يخونه في الأمانة، ولا يغشه في المعاملة، بل ينصح له في كل حال؛ لأنهم إخوه في الله بعضهم أولياء بعض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) ، ويقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:٢٧] ، ويقول عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:٥٨] ، ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:٨] ، هذا هو وصف المؤمنين، يرعون الأمانات والعهد ولا يخونون، بل هم أولياء أحباء متناصحون، متواصون بالحق، متعاونون على البر والتقوى، آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر، هذه صفات أولياء الله، هذه أخلاق المؤمنين والمؤمنات، كما سمعتم في قوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١] ، ليسوا أعداء، فمن تعدى على أخيه بظلم، في نفس، أو مال، أو عرض، أو خيانة في أمانة، أو غش في معاملة؛ فقد خالف هذه الآية، وخالف النص، ودخل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:٢٧] .

فالواجب أداء الأمانة، والنصح لله ولعباده، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١-٣] ، أقسم سبحانه وهو الصادق وإن لم يقسم، أقسم بالعصر، وهو الزمان الذي هو النهار، أن الإنسان في خسران، جميع بني آدم في خسران، وهكذا بنو الجان كلهم في خسران من ذكور وإناث {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] هؤلاء هم الرابحون، والسعداء، والله يقسم بما يشاء من خلقه، كما أقسم بالذاريات، والطور، والليل إذا يغشى، والضحى ونحو ذلك، لا أحد يتحجر عليه سبحانه، بل يقسم بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم جل وعلا، أما العبد فليس له أن يحلف إلا بالله، المخلوق ليس له أن يحلف إلا بربه، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقال: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، وقال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) .

فبهذه الآيات العظيمة يقسم بالعصر أن الإنسان في خسران، أي: أن جنس بني آدم في خسران، وهكذا بنو الجان كلهم في خسران، الجن والإنس كلهم في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] هؤلاء هم الرابحون، هم السعداء، هم المؤمنون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، المتحابون في الله، المتعاونون على البر والتقوى، الصادقون في أقوالهم وأعمالهم، هؤلاء أولياء الله هؤلاء هم المؤمنون هؤلاء أحباء الله هؤلاء أصحاب الجنة، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:٧٢] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:٧] خير الخليقة {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:٨] لمن خاف الله وراقبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>