[من أخلاق العلماء: الدعوة إلى الله]
ومن أخلاق العلماء العظيمة: التعليم والدعوة إلى الله لأن هذا من العمل، فهم يتقون الله في أنفسهم، ويؤدون فرائضه، ويحذرون محارمه، ويقفون عند حدوده، ومع ذلك أيضاً يبذلون المستطاع لتعليم الناس ودعوتهم إلى الخير، وإرشادهم إلى ذلك، هذا مقتضى العلم، وهذا هو مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنهم علموا وعملوا ودعوا إلى الله.
فالعلماء هكذا، يجب عليهم جلب العلم عن إخلاص، وصدق، وصبر، سواءً كانوا ذكوراً أو إناثاً.
فالعالم والعالمة، والفقيه والفقيهة، والمدرِّس والمدرِّسة، كلهم عليه واجب، من الدعوة إلى الله، والتعليم، والإرشاد، والصبر على ذلك، وبذلك يظهر العلم وينتشر.
وإذا كتم العالم علمه لن يُنتفع به, وصار منبوذاً عند الله وعند عباده.
فالواجب إبراز العلم وإظهاره ونشره بين الناس، على حسب القدرة والحاجة.
يقول عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] ، لا أحسن قولاً من هؤلاء، وهم الرسل وأتباعهم.
ويقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨] ، فأتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام هم الدعاة إلى الله على بصيرة، هم معلمون ومرشدون وموجهون، هم أتباع الرسل على الحقيقة، علموا وعملوا ودعوا إلى الله عزَّ وجلَّ، وبصَّروا الناس.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس وذكَّرهم غالباً يقول لهم عليه الصلاة والسلام: (فليبلغ الشاهد الغائب، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع) ، هكذا ينبغي، فالعالم ينشر العلم، ويحث الناس على نشره أيضاً وتبليغه للناس.
يقول جلَّ وعَلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٥٩-١٦٠] ، ذكر الوعيد العظيم لمن كتم الحق؛ لأنه ملعون من جهة الله، ومن جهة خلقه، ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة:١٦٠] ، هؤلاء هم الذين يسلَمون مما وعد الله به من كتم العلم، بتوبته وإصلاحه وبيانه، فلا بد من توبة صادقة، ولا بد من إصلاح في العمل، ولا بد من بيان وعدم كتمان.
فمن أخلاق العلماء: البيان، والإرشاد، والإيضاح، والهداية للناس {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨] ، فعليهم أن يتبصروا، وعليهم أن يعلموا ويرشدوا ويبلغوا، فهذا من أعمالهم ومن أخلاقهم العظيمة الواجبة.
وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] ، فالحكمة هي العلم، "قال الله، وقال رسوله" بيان ما أوجب الله على عباده، وما حرم عليهم، وما شرعه لهم بالأدلة.
وهكذا بالموعظة الحسنة؛ لأن الناس قد يكون عندهم تثاقل وغفلة وإعراض وتكاسل، فالموعظة الحسنة تحركهم وتشجعهم وتعينهم على أداء الواجب، فالترغيب والترهيب له أثر عظيم في قلوب الناس، وهذا هو الموعظة الحسنة، قد يكون عند بعضهم شُبَه يجادل عنها، ويبديها وينشرها، فهذا يجادَل بالتي هي أحسن، بكشف الشبهة، وإيجاد اللبس، وإيضاح الحق، بالدلائل الواضحة، والجدال الهادف الرفيق، الذي ليس فيه عنف ولا شدة، بل بالتي هي أحسن، كما قال الله سبحانه: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:٤٦] ، فنهى عن جدال أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وهم كفرة، وهم اليهود والنصارى، فكيف بجدال أهل الإيمان؟! من باب أولى يكون بالتي هي أحسن، إلا الظالمين، فمن ظلم فله شأن آخر.
فعلى العالم أن ينشر علمه، ويبلغه للناس عن بصيرة وعن علم، عمَّا قاله الله ورسوله، لا عن جهل، فلا يتقول على الله بغير علم، فالقول على الله بغير علم من أكبر الكبائر، ومن أعظم المصائب، كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٣] ، فجعل القول عليه بغير علم فوق هذه المراتب، فوق الشرك، فدل ذلك على عِظَم الخطر في القول عليه بغير علم، وعِظَم الجريمة.
فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا عن علم، وأن يبلغوا عن علم، لا عن جهل.
وأخبر سبحانه في آيات أخرى أن الشيطان يأمر الناس بأن يقولوا على الله غير الحق، فالقول على الله بغير علم عصيان له سبحانه وطاعة للشيطان، كما قال عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٦٨-١٦٩] .
فأخبر سبحانه أن القول عليه بغير علم مما يأمر به الشيطان ويدعو إليه.
فوجب على أهل العلم أن يحذروا ذلك، وأن تكون دعوتهم عن علم وبصيرة.