[الرد على شبه القائلين بعدم بدعية المولد]
وقد تعلق بعضهم في هذه البدعة بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما سئل عن صوم يوم الإثنين قال: (ذلك يوم وُلدتُ فيه، وبُعثتُ فيه، وأُنزلَ عليَّ فيه) عليه الصلاة والسلام، وهذا لا حجة فيه لأحد لو عقل أهل البدع، فإنه يدل على شرعية صومه فقط، وليس فيه الاحتفال بالمولد، والنبي صلى الله عليه وسلم صام الإثنين والخميس، وقال: (إنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله، وإني أحب أن يُعرض عملي وأنا صائم) فصوم يوم الإثنين يوم عظيم، أنزل الله عليه فيه، وولد فيه، وهو يوم تعرض فيه الأعمال على الله عزَّ وجلَّ، فالذي عظمه النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم، فمن يريد تعظيمه بالصوم فعليه بالصوم كما شرع الله ذلك، يوم الإثنين يوم فاضل، ويوم الخميس يوم فاضل، تعرض فيهما الأعمال على الله عزَّ وجلَّ، فإذا صامه الرجل كما صامه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حسن ومشروع؛ لكن أين الاحتفال؟! هل احتفل به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟! تعظيمه بالصوم الذي شرعه الله، لا في غيره.
وبعضهم يتعلق بأن النصارى واليهود يعظمون أنبياءهم بالأعياد، ويقولون كيف لا نعظم نبينا؟! وهذا من الجهل الكبير، نبينا صلى الله عليه وسلم حذَّرنا أن نتشبه بأعداء الله اليهود والنصارى، ونهانا أن نقلد اليهود والنصارى في أعيادهم وفيما هم عليه من الباطل، وقال: (لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه -يحذرنا- قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنْ؟!) وفي لفظ (قالوا: يا رسول الله، فارس والروم؟ قال: فَمَنْ؟!) أي: هم أولئك الذين أحذركم من اتباعهم وتقليدهم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من تقليد اليهود والنصارى، والتشبه بهم في عوائدهم وأعيادهم، فإذا أوجدوا أعياداً لعظمائهم أو لأنبيائهم أو لعيسى عليه الصلاة والسلام، فليس لنا أن نقلدهم في باطلهم، وليس لنا أن نتشبه بهم، ولا نعمل أعمالهم، بل نتبرأ من ذلك وننتهي عن ذلك، ونعلم أنهم قد ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله، وأن رسولنا صلى الله عليه وسلم نهانا أن نقلدهم أو نتشبه بهم.
فالدعوة إلى أن نوجد عيداً للمولد مثل ما للنصارى معناه دعوة للتشبه بالنصارى، ومعناه دعوة إلى تقليد النصارى وأشباههم من اليهود بما أحييتم من البدع.
هذه حجة داحضة، وحجة فاسدة، ما لها مصادمة فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، والمعارضة لما حذَّر منه عليه الصلاة والسلام، فهو حذرنا أن نتشبه بأعدائنا، وحذرنا أن نقلد أعداءنا، فكيف نتشبه بهم في الأعياد؟! ثم هذه الأعياد مهما كانت فهي محل الشر والفتن، ومحل البدع، ومحل الغلو والإفراط والزيادة في دين الله، فوجب منعها لكونها بدعة، ولما يترتب عليها في كثير من الأحيان وفي كثير من البلدان من شرور كثيرة، والغلو، والإفراط، والرأي الباطل.
ورسولنا عليه الصلاة والسلام بحمد الله لم يزل يُذكر عليه الصلاة والسلام، ولم يزل يُدعى إلى سنته عليه الصلاة والسلام، ليس في حاجة إلى الاحتفال بالمولد، فهو لم يُنْسَ حتى يُذكَّر بمولده عليه الصلاة والسلام، مولده يُدرَّس في المدارس، والسيرة تُدرَّس في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد، لم يُنْسَ عليه الصلاة والسلام، فسيرته وشريعته وأحكامه ودينه كله يُدرَّس في المدارس وفي المعاهد وفي الكليات وفي المساجد، يُعلَّم ويُدرَّس بين الناس، وذكره لم يزل في اليوم والليلة، في الأذان والإقامة، والصلوات؛ أشهد أن محمداً رسول الله في الأذان خمس مرات في اليوم، وفي الإقامة خمس مرات كل يوم على رءوس الأشهاد أشهد أن محمداً رسول الله، لم يُنْسَ بحمد الله، بل يُذكر على المنابر وفي المساجد وفي الدروس وفي التحيات، في الصلاة مرتين؛ الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفي الفجر مرة واحدة، وهو: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.
فالرسول لن ننساه بحمد الله، وليس بحاجة إلى إحداث موالد، إنما يأتي بالموالد من نسي أصحابه، ونسي من يجعل له مولداً فيخلد فيه ذكره، في مولده الذي فعل، وبدعته التي أحدث، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلا يُنسى بحمد الله، فالمسلمون يذكرونه، ويشهدون له بالرسالة، ويصلون عليه دائماً عليه الصلاة والسلام، ويتبعون سنته، بل يعظمون أمره ونهيه، ويدرِّسون سيرته وشريعته في مساجدهم ومدارسهم ومعاهدهم وحلقات العلم في كل مكان بحمد الله يوجد فيها مسلمون.
هذه نبذة بما يتعلق بالمولد وبدعة المولد، وليس هذا خاصاً بمولده صلى الله عليه وسلم، بل جميع الموالد كلها بدعة، من البداية بدعة، ومما أحدثه الناس أيضاً تقليداً لأعداء الله: أن بعض الناس يجعلون مولداً لبنته، ولأمه، ولأبيه، ولنفسه، ويقول: هذا مولد فلان.
ويجعل وليمة، وعزيمة، هذا من التأسِّي بالنصارى واليهود، وهذا لا أصل له، هذه من البدع المنكرة، فليس لدينا موالد، نحتفل بها ولا تعظَّم، لا للأولياء، ولا للأنبياء، ولا لغيرهم، بل هي مما قلد فيه الناس الأعاجم من النصارى واليهود وأتباعهم.
وعلينا أن نتبع ولا نبتدع، والله جلَّ وعَلا يقول: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١٠٠] هذا جزاء من اتبع الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإحسان، وسار على نهجهم، جزاؤه أن الله يرضى عنه، ويدخله الجنة سبحانه وتعالى.
فعلينا أن نتأسى بهم، ونسير على نهجهم.
وقال جلَّ وعَلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] فنتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأتباعه بإحسان من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن سار على نهجهم، وليس لنا أن نحدث في الدين ما لم يأذن به الله، وليس لنا أن نقلد أعداء الله فيما أحدثوا في دين الله، بل علينا أن نعظم أمر الله ونهيه، وعلينا أن نبادر بأمر الله، وأن ننتهي عن نهي الله، وندعو الناس إلى دين الله وشريعة الله، وأن نحذرهم فيما ابتدعه الناس في دين الله من الموالد وغير الموالد، هذا واجب على أهل العلم والإيمان في كل مكان وزمان.
ولا بد أن منكم من يسمع في الإذاعات بدعاً كثيرة، نسمع المولد في هذا الشهر، والاحتفال في أماكن كثيرة، وتسمعون أيضاً في أوقات أخرى بدعة رجب؛ الإسراء والمعراج، وبدعاً أخرى في أوقات أخرى يبتدعها الناس، فالناس عندهم بدع كثيرة.