[عظم منزلة الصدق]
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فيقول الله جل وعلا في كتابه المبين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] .
لما كان الصدق له منزلة عظيمة عند الله وعند أنبيائه ورسله وعند المؤمنين من عباده؛ نبه الله عليه وخصه بالذكر؛ كي يعلم المؤمن هذا الفضل وهذا التخصيص، فيسارع إلى الصدق في أقواله وأعماله، ويبتعد عن الكذب في أقواله وأعماله، فالصدق طريق السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة، وطريق العزة والكرامة، يقول الله جل وعلا: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:١١٩] هذا جزاء الصادقين.
والصدق يكون في القلب، ويكون في اللسان، ويكون في العمل، فالصادق المؤمن صادق في قلبه في محبته لله، وإخلاصه له، وخوفه، ورجائه، وشوقه إليه، والحذر من محارمه.
وصادق في اللسان في ذكره لله، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ودعائه وسائر أذكاره.
وصادق في الأعمال، في صلاته وصومه وزكاته وحجه وجهاده وغير ذلك، هكذا يكون المؤمن صادق القول صادق العمل، صادق القلب والإقرار وأعمال القلب.
ولهذا قال عز وجل: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:٢١] {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:١١٩] بعض الناس يصلي ولكنه ليس بصادق، ليس بمقبل على صلاته، لا يعطيها حقها، جسمه مع الناس وقلبه في كل مكان، كذلك يزكي ولكن ليس عنده إخلاص كامل، وطيب النفس بالمال والرضا فيما عند الله يصوم وليس الصوم على ما ينبغي من جهة الصدق فيما عند الله، والرغبة فيما عنده، وهكذا الحج، وبقية العبادات، فالناس في هذا يتفاوتون كثيراً.
فعليك يا عبد الله! أن تصدق في أقوالك وأعمالك، وأن تكون عظيم الرغبة فيما عند الله، صادق البذل من قول وعمل، ترجو ثواب الله وتخشى عقابه سبحانه وتعالى.
ولهذا لما عدَّ الله سبحانه وتعالى صفات المؤمنين وأخلاقهم وأعمالهم ذكر منها الصدق، فقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:٣٥] هذا جزاء هؤلاء في أعمالهم، في إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم، والقنوت هو الثبات في الطاعة والدوام عليها والاستمرار فيها، وهكذا صدقهم، وهكذا صبرهم، وخشوعهم، وتصدقهم، وصيامهم، وحفظهم فروجهم، وإكثارهم لذكر الله سبحانه وتعالى، فهم صادقون في هذه الأعمال، ولهذا أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (عليكم بالصدق -أي: في القول والعمل- فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) فالكذب عاقبته وخيمة، وهو من خصال أهل النفاق والفجور، والصدق عاقبته حميدة، وهو من خصال أهل الإيمان والصدق، ومن خصال الرسل وأتباعهم الصادقين.
جعلنا الله وإياكم من الصادقين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.