[موقف أهل الباطل من الجهاد]
المجرمون الذين يطعنون في الإسلام من أعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم يرمون الإسلام ويطعنون في الإسلام بأنه يقاتل للمال وللسبي وللأرض، وقد كذبوا وافتروا، فلم يقاتل المسلمون لهذا الغرض، ولم يذهبوا إلى الروم وإلى الفرس وإلى غيرهم لقصد بلادهم ولا لقصد نسائهم وأموالهم، وإنما ذهبوا إليهم لإنقاذهم مما هم فيه من الباطل، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، وليعلموهم ويرشدوهم إلى ما خلقوا له وما وجب عليهم؛ وليبلغوا دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى الأمم وآخرهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، رسول الله إلى الأمة كلها إلى هذه الأمة التي هي آخر الأمم، فالصحابة رضي الله عنهم حين ذهبوا إلى الروم وإلى فارس وإلى أفريقيا وإلى غيرها لم يذهبوا إليهم طمعاً في أموالهم ونسائهم وذرياتهم لا.
ولكنهم ذهبوا إليهم لينفذوا أمر الله حيث قال جل وعلا: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:٤١] فهم ذهبوا لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وكما قال جل وعلا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:٢٥٧] فالمسلمون يخرجون الناس من الظلمات إلى النور، ويهدونهم إلى طريق النجاة، ويشرحون لهم وسائل الحق وأسباب النجاة والسعادة حتى يأخذوا بها، وحتى يخرجوا مما هم فيه من الباطل والظلم والبلاء والفساد.
قال جل وعلا: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩] فأمر بقتالهم لهذه الأسباب؛ لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولا يدينون دين الحق، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فلم يُؤمر بقتالهم لأموالهم وسبيهم، ولكن لكفرهم ولضلالهم وعدم إيمانهم وعدم تحريمهم ما حرم الله ورسوله، وعدم دينهم بدين الحق، وهكذا المجوس والوثنيون، وهكذا كل كافر إنما يقاتل لعدم إيمانه ولعدم تحريمه ما حرم الله ورسوله، ولعدم دينه بدين الحق، ولعدم دخوله فيما جاء به الرسول من الحق والهدى، فنحن نقاتل لهذا الأمر، نقاتلهم رحمة لهم وإحساناً إليهم وإنقاذاً لهم مما هم فيه من الباطل والضيق والحرج وكفرهم بالله سبحانه وتعالى؛ وهم بذلك إذا تركوا صاروا وقود النار، صاروا حطب النار.
فالمسلمون يقاتلونهم لإخراجهم ولإنقاذهم من هذا البلاء، ولكنَّ أعداء الله وأولياءهم والطاعنون في الإسلام أبوا إلا التشكيك في هذا الأمر والتدليس ولبس الأمور ورمي المسلمين بأنهم يقاتلون للطمع في الأموال والأراضي والنساء والذرية، حاشا وكلا، هذا كلام باطل يقوله أعداء الله وخصوم الإسلام للتنفير من الإسلام، وإلا فأهل الإسلام أولاً وآخراً إنما يقاتلون أعداء الإسلام لكفرهم وظلمهم وعدوانهم؛ ولهذا جاء في الحديث: (قاتلوا من كفر بالله) ويقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:٥] فيقاتلون لشركهم وكفرهم وظلمهم وعدوانهم، فإذا وجهت إليهم الدعوة وأرشدوا وأقيمت عليهم الحجة ثم امتنعوا وأبوا فحينئذٍ يقاتلون حتى يدخلوا في دين الله أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها كاليهود والنصارى والمجوس، أما غيرهم فلا حتى يسلموا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الجزيرة من العرب ولم يعرض عليهم الجزية، بل قاتلهم حتى يدخلوا في دين الله، وهكذا الصحابة قاتلوا بني حنيفة وغير بني حنيفة؛ قاتلوا أهل هذه الجزيرة حتى دخلوا في دين الله ولم يعرضوا عليهم الجزية، وهكذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوا عباد الأوثان ولم يعرضوا عليهم الجزية، وإنما عرضت الجزية على اليهود والنصارى، والمجوس سُنَّ بهم سنة أهل الكتاب وأخذت منهم الجزية، وهذه الجزية فيها رحمة للجميع، وهي ما يضرب عليهم كل سنة على قدر أحوالهم وغناهم يرغمهم على ذلك ولي الأمر؛ رفعة للمسلمين وذلاً للكافرين حتى يفكروا وينظروا فيما يزال به هذا الذل، وحتى ينقادوا بذلك إلى الدخول في الإسلام، فهذا المال فيه إعانة لهم على الدخول في الإسلام، وفيه رحمة لهم حتى ينظروا ويفكروا لعلهم يعرفون أنهم في ضلال، ومن جملة ضلالهم أن يسلموا الجزية ويبقوا على الكفر بالله عز وجل.
فالمسلمون يستفيدون من المال في إعداد العدة وفي مواساة المسلمين وتأليف المسلمين، وتأليف غيرهم ممن يرجى إسلامه، وهذا الذي تؤخذ منه الجزية ينظر لنفسه ويفكر كثيراً لعله يزيل عنه الذلة، ولعله ينتبه للمصلحة فيدخل في دين الله حتى توضع عنه الجزية، وحتى يكون أخاً لنا له ما لنا وعليه ما علينا إذا دخل في دين الله.
فالجزية هي خيرٌ لهم ودعوة لهم إلى الدخول في الإسلام وعون للمسلمين، فإذا دخلوا في الإسلام سقطت عنهم، وسائر الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس يدعون ويشرح لهم الأمر ويوضح لهم السبيل وتقام عليهم الحجة، فإن أجابوا فالحمد لله فهم إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن أبوا قاتلناهم واستعنا بالله سبحانه وتعالى عليهم.
وبهذا يعلم المؤمن فضل الجهاد وأنه رحمة من الله سبحانه وتعالى وإحسان منه إلى عباده.
يقولون: ليس هذا لنا بل يجب علينا أن نكف عن الناس، فإذا جاء الإسلام يدعو الناس إلى الحق ويبشرهم بالحق وجاء دعاته يدعون الناس إلى الحق والهدى، وجاء المجاهدون في سبيل الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ولإنقاذهم وأولادهم ونسائهم من الكفر بالله، قالوا: الإسلام دين القتال والدماء، دين كذا ودين كذا، حتى ينفروا عنه من أراد الدخول فيه، وحتى يرموه بما هو براء منه وهو دين السلام ودين الإحسان ودين الرحمة ودين الهدى ودين التوجيه إلى الخير، ودين الدعوة الصادقة، ودين الإنفاق والإحسان، لكن يقلبون الحقائق ويلبسون على ضعفاء البصائر؛ حتى ينفروا من الإسلام ويرموه بما هو براء منه، والأمر واضح في ظلم أعداء الله وتجنيهم على الإسلام وفي كذبهم عليه، وهم الظالمون، وهم أهل العدوان وأهل الجرائم الذين يقتلون الناس قتلاً ذريعاً، بل يقتلون الشعوب والأمم الكثيرة بالسلاح الفتاك وبالقنابل المهلكة وبالطائرات التي تهلك الحرث والنسل والنساء والأطفال، لا لرحمة ولا لإحسان بالناس، ولكن ليخضع لهم الناس وليأخذوا بلادهم وليستفيدوا من ثرواتها، وليجبروهم على خدمتهم وطاعتهم، ومع هذا لا يعدون أنفسهم مجرمين ولا ظالمين، وهذا هو الضلال وغاية الظلم والإجرام، والمسلمون إذا جاءوا يجاهدون ويدعون إلى الله لإخراج أولئك المساكين من الظلمات إلى النور ولإنقاذهم ولرحمتهم، لرحمة نسائهم وذرياتهم، قالوا: هذا عدوان وظلم، وهذا دين السلاح ودين الدماء؛ كذبوا وكفروا بذلك.