واجب الدعاة وطلاب العلم والكُتاب
وقد ظهر في المسلمين ولله الحمد في أول هذا القرن، وفي آخر القرن الماضي دعاةٌ كثيرون للحق، ونشاط في سبيل الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وظهر شباب صالح حريص على التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأيدهم في ذلك أيضاً من المشايخ والعلماء والأخيار شيباً وشباباً حتى ظهر بحمد الله نصرٌ لدين الله، وحياة جديدة ضد الباطل وإن كثر أهل الباطل.
لكن مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلَهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) ، وهم بحمد الله الآن في نشاط وزيادة، وقد انتشر في دول العالم وفي أرجاء الدنيا دعاة الحق، وهداة الخلق، من خريجي الجامعات الإسلامية، والمدارس والمعاهد الإسلامية، والحلقات الإسلامية من كل مكان، ليَسْمَعوا الحق ويدعوا إليه ضد أهل الباطل، وقد غاظ هذا أعداء الله، وسبب لهم كثيراً من النشاط في باطلهم، والحيرة مما رأوا.
ولكن نسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يوفق المسلمين جميعاً شيباً وشباباً للتكاتف والتعاون في نصر الحق وتأييده، وتأييد القائمين به، ومساعدتهم، وأن ينصرهم جميعاً على أعداء الله، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله بالسيف والسنان، وبالحجة والبرهان، وأن يثبت أهل الحق على حقهم، وأن يهدي حكام المسلمين ليقوموا بالحق وينصروه، ويحكِّموا شريعة الله فيما بينهم حتى ينصرهم مولاهم، وحتى يعينهم على أعدائهم، وحتى يثبت لهم ما هم فيه من الخير، وحتى يحميهم من مكائد أعداء الله، إنه عزَّ وجلَّ جواد كريم.
والواجب على كل طالب علم وعلى كل عالم أينما كان أن يبذل وسعَه في نصر الحق، هذا زمانه، وهذا زمان الدعوة، وهذا زمان الجهاد باللسان، ونشر الحق والدعوة إليه، كتابةً ودعوةً وخطابةً وغير ذلك من أنواع الجهاد: بالقلم، واللسان وبالعمل، والتوجيه، والنصائح الفردية والجماعية الخطابية وغيرها، هكذا يكون الجهاد، وهكذا يكون العالم وطالب العلم أينما كان، في بلاده وغير بلاده، ينشر الحق ويدعو إليه صابراً محتسباً، يريد ثواب الله والدار الآخرة، ينشره في وسائل الإعلام حيثما كان، وحسبما يتيسر له مع التثبت والعناية بمعرفة الحق، فإن الكلام في غير بصيرة يضر كثيراً، فلا بد من البصيرة، ولا بد من العلم، كما قال الله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨] بل حرم القول عليه بغير علم.
فعلى العلماء والدعاة أن يتبصروا، وأن ينطقوا بالحق، وأن يجتهدوا في هزم الباطل والقضاء عليه، وحماية المسلمين من هذا الغزو الذي نوَّعه أعداء الله عن طريق الإذاعات، والتلفاز، والصحافة، والمؤلفات، والخطب المنبرية، والخطب الجماعية في المحافل إلى غير ذلك.
فالشيء يُحارَب بجنسه، فالباطل يُحارَب بجنسه حسب الطاقة والإمكان، وبذلك يؤدي العالم وطالب العلم والمؤمن البصير بدينه ما أوجب الله عليه، ولا ينبغي لعاقل أن يحقر نفسه، كما جاء في الحديث: (لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى شيئاً لله في مقال فلا يقول) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
لا بد أن يتكلم طالب العلم بما يعلم من الحق الذي هو على بصيرة فيه ولا سيما عند ظهور الباطل في أي مكان، وعند التباس الأمور، الله هو الذي أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء جلَّ وعَلا، كما قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:٨٩] .
هذا الكتاب العظيم وهو القرآن فيه الحجة والبيان فيه الهدى فيه بيان طريق السعادة فيه دحض الباطل والقضاء عليه والرد عليه.
فلا يجوز للعالم أن يرضى بالسكوت، أو يرضى بدون ما يستطيع في أي مكان، في الغرب والشرق والجنوب والشمال، في السيارة والطائرة والقطار، في أي مكان كان، وعلى أي وجه استطاع أن يدعو إلى الله، ولا ييئس، ولا يقول: هذا لغيري، ولا يقول: الناس ما فيهم خير، ولا يقبلون، لا، كل هذا لا يَقُلْه، كل هذا مما يحبه الشيطان.
ولكن ليتكلم وليقل الحق، وليعمل بقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] .
الحكمة: العلم، قال الله وقال رسوله، سمى الله العلم حكمة؛ لأنه يردع الناس، ويوقفهم عند حدهم، وكل كلمة وعَظَتْك، وذَكَّرَتك، ورَدَعَتْك عن الباطل ودَعَتْك إلى الحق فهي حكمة.
ثم مع ذلك الموعظة؛ لأن بعض القلوب قد تكون قاسية تحتاج إلى عِظَة، قد لا يأخذ منها العلم مأخذه، إذا سمعت العلم فتحتاج إلى الموعظة حتى تلين، وحتى تقبل الحق، يذكرها بالله، وبالدار الآخرة، وبالجنة والنار، وأن هذه الدنيا دار الزوال والفناء، وليست دار إقامة، وأن دار الإقامة أمامك إما الجنة وإما النار، ولا بد من الترغيب فيما عند الله من الجزاء، والتحذير مما عند الله من العقوبات لمن حاد عن سبيله، أو دعا إلى ضده، ولهذا يقول جلَّ وعَلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] .
فأنت -يا عبد الله- على حسب حالك، العالم الكبير، وطالب العلم، والمؤمن المتبصِّر الذي عنده من البصيرة ما يستطيع به الدعوة إلى سبيل الله، والدفاع عن دينه ما علم، كلٌّ عليه نصيب، وكلٌّ عليه أداء الواجب الذي يستطيعه، مع تحري الحق، ومع الأسلوب الحسن الذي فيه إيصال الحق إلى القلوب من غير تنفير.
فالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن التي أرشد الله إليها، هو الطريق الذي يوصل الحق إلى القلوب، فالعلم قال الله وقال رسوله وشرح لذلك، وبيان لذلك بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، والعِظَة الحسنة، وعند الشبه الجدال بالتي هي أحسن، إذا أبدى شكاً وشبهة، وأراد أن يستفيد ما يزيلها، أو أراد الصد عن الحق بها، يجادل بالتي هي أحسن، حتى يتضح الحق للمستمعين، وحتى تزول الشبهة، وحتى يهدي الله بذلك من سبقت له من الله السعادة.
والطرق اليوم غير الطرق بالأمس، الطرق اليوم كثيرة، وسائل الدعوة متعددة والناس مقبلون عليها، فوجب على أهل العلم والإيمان أن يعمروها بالخير، وأن يشغلوها بالحق ضد الباطل، ولو بذلوا الأموال في ذلك، فإن هناك صحفاً في الخارج لا تكتب إلا بالمال، أما هنا فقد يستطيع بحمد الله أن يكتب وينشر لغيره ما يمهله؛ لأنه قد يكون في مكان يحتاج إلى مال، وقد تكون هناك صحف معروفة تحتاج إلى مال، فيعطيها من المال ما يسبب نشر الحق، والدعوة إلى الحق، وهكذا الإذاعات تحتاج إلى مال، وهكذا النقلٌ من لغة إلى لغة مع الترجمة، كل هذا يحتاج إلى البذل في سبيل الله، حتى ينشر الحق، وحتى يدعو إليه حسب طاقته باللغة التي يعرفها، وباللغات الأخرى التي يستطيع أن يبذل المال حتى تحصل الترجمة لمقاله إلى اللغة التي يريد.
والصحافة تحتاج إلى عناية، وكذلك الإذاعة والتلفاز عندنا وعند غيرنا، وعند غيرنا أكثر، فلا بد من العناية، فالقراء هنا والعلماء هنا، واجبهم أن يُعنوا بذلك، وأن يتَّبعوا ما يكون في الصحافة من خطأ بالتنبيه عليه، وما يقع في الإذاعة من خطأ بالتنبيه عليه، وما يقع في التلفاز من خطأ فينبهوا عليه، ولا يجوز لأحد أن يقول: هذا لفلان، أو هذا يلزم فلاناً، هذا خطأ.
على العلماء جميعاً، وعلى الكتَّاب جميعاً الذين لهم قدرة أن يشاركوا في هذا الحق وهذا الخير ضد هذا الغزو الذي قام به أعداء الله ونوابهم، فليس لأحد أن يقول: هذا ليس إليَّ، كل مسلم عليه واجبه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧] .
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} [فصلت:٣٣] .
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨] .
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] الآية.
كل منا عليه واجب، وكذلك كل مسلم في بلاد الله في المشارق والمغارب في جميع أنحاء الدنيا، كل مسلم وكل طالب علم، وكل عالم، وكل مؤمن عليه واجبه من الدعوة إلى دين الله الذي أكرمه الله به ونفي الشُّبه عنه والباطل، والرد على خصومه بالأساليب والطرق التي يراها ناجعة، توصِل إلى الحق، وترغِّب في قبول الحق، وتردع الباطل.