ثم من أهم الأمور أن يبدأ الإنسان بنفسه، بأن يجاهدها لله، فإن جهاد النفس جهاد عظيم، وإذا صلحت النفس واستقامت صار جهادها للأعداء من أعظم الأسباب في نصرهم وتأييدهم، ومن أعظم الأسباب في استقامة حالهم وتوفيقهم لما فيه رضا الله ولما فيه نصرهم على عدوهم.
فنحن بحاجة إلى أن نجاهد أنفسنا، وإلى أن نشارك إخواننا في الجهاد، فالمسلم يجاهد نفسه، وإنما يجاهدها لله حتى تستقيم وحتى تؤدي الفرائض وتدع المحارم، ومع ذلك لا يبخل بالجهاد في سبيل الله بنصر إخوانه المسلمين بماله ونفسه وكلمته الطيبة، فلا يشغله جهاده لنفسه عن جهاده لأعداء الله، ولا يشغله الإنفاق فيما يرضي الله في بلده عن الإنفاق في سبيل الله في غير بلده إن استطاع ذلك، ولا تشغله الدعوة إلى الله في بلده عن الدعوة إلى الله في غير بلده، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه يوم خيبر إلى اليهود، قال له:(ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) وقال عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) يبين عليه الصلاة والسلام أن المقصود هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وليس المقصود سبي نسائهم وذرياتهم وأرضهم وأموالهم، لا، ولهذا قال:(فوالله) وهو الصادق وإن لم يحلف عليه الصلاة والسلام: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) .
فالمقصود من الجهاد رحمة الناس، وإنقاذهم مما هم فيه من الباطل وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإخراجهم من ظلمات الكفر والشرك بالله والعبودية لغيره إلى عبادته وحده، وإلى الدخول في عدل الإسلام وسعة الإسلام، وإلى الدخول في أسباب النجاة والسعادة، هذا هو المقصود من الجهاد.