الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فلما كان الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال التي يتطوع بها المتطوعون، وكانت له بين الأعمال ميزة عظيمة في إعلاء كلمة الله، وفي حماية شريعة الله، وفي الذود عن حوزة المسلمين، وفي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، رأى القائمون على الندوات والمحاضرات أن تكون مسألة الجهاد من جملة المحاضرات التي تلقى في هذا المكان المبارك ولا سيما في هذا العصر الذي قل فيه الجهاد الصادق في سبيل الله، وكثرت فيه النزاعات الجانبية لأغراض ومقاصد أخرى، وقلّ من يهتم بذلك من الدول الإسلامية، وقل من يناصر من ظُلم وابتلي من المسلمين بغزو الأعداء لبلادهم، فالمحاضرة اليوم موضوعها:"أهمية الجهاد في سبيل الله".
وسأتكلم إن شاء الله بما تيسر في هذا الموضوع من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية، وما بينه أهل العلم في هذا السبيل، فينبغي أن يعلم أن الجهاد من أهم الفرائض الإسلامية، وأن الله سبحانه شرعه لفوائد جمة ولحكم كثيرة منها: أن فيه إعلاء كلمة الله عز وجل.
ومنها: أن فيه حماية حوزة المسلمين والذود عن ديارهم وبلادهم وثغورهم.
ومنها: أن في ذلك دعوة الآخرين من غير المسلمين إلى الدخول في دين الله، وإيضاح ما لهم عند الله من الخير العظيم، وما يحصل لهم في الدنيا من الفضل والخير على أيدي المسلمين.
ولم يشرع الله الجهاد لمجرد الدفاع فقط كما يظنه بعض الكتبة وبعض من ينتسب إلى العلم، بل شرع الله الجهاد للدفاع والذود عن حياض المسلمين، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولإعلاء كلمة الرب عز وجل، ولفسح الطريق وتمهيده للدعاة إلى الإسلام والذائدين عنه والموضحين لمقصوده ومحاسنه.
وقد كان المسلمون في أول الإسلام مأمورين بالدعوة إلى الله عز وجل فقط، ولم يفرض عليهم الجهاد لضعفهم وقلتهم، وكانوا في مكة مضطهدين، وقد آذى المشركون رسول الله عليه الصلاة والسلام وآذوا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، بل قتلوا بعضهم، ولم يزل عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله ويرشد الناس إلى ما خلقوا له من توحيد الله والإخلاص له، ويبين للناس بطلان الشرك وأن آلهتهم التي يعبدونها من دون الله باطلة، وأن الواجب عليهم توجيه القلوب إلى الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى.