الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فقد سبق الكلام على شيء من صفات المتقين التي أمر الله جل وعلا بالمسارعة إلى صفاتهم التي هي أسباب المغفرة، وأسباب دخول الجنة، حيث قال سبحانه:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:١٣٣-١٣٤] .
سبق الكلام على هذه الصفات، وأنه ينبغي للمؤمن أن يسارع إلى هذه الصفات وأن يلزمها، فإن تقواه لله عز وجل وإيمانه بالله سبحانه، كل ذلك يحمله على المسارعة إلى هذه الصفات ولزومها والاستكثار منها.
فإن كلاً منها من أسباب المغفرة، ومن أسباب دخول الجنة النفقة في السراء والضراء في الشدة والرخاء، ابتغاء وجه الله، وكتم الغيظ، والعفو عن الناس، هذه صفات جديدة من صفات أهل التقوى والإيمان، ومن صفات الكرماء والنبلاء، أصحاب النفوس الكريمة والهمم العالية، ثم ذكر بعد هذا قوله سبحانه:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[آل عمران:١٣٥-١٣٦] وصفهم بالصفات الحميدة الكريمة، ثم وصفهم بالتوبة النصوح والمبادرة إلى ترك المعاصي والسيئات، والاستغفار منها وعدم الإصرار عليها، فهم جمعوا بين العمل الصالح وبين التوبة الصالحة، وهم يسارعون للخيرات، ويندمون على فعل السيئات، ويقلعون منها ولا يصرون عليها هذه صفات أهل الجنة وأهل المغفرة، هذه صفات أهل السعادة، المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، والمبادرة بالتوبة من السيئات، والندم عليها وعدم الإصرار، فمن أراد الجنة والكرامة والمغفرة والسعادة فعليه بهذه الصفات الحميدة التي ندب الله إليها عباده، وبين أنها من صفات أهل التقوى الموعودين بالجنة والكرامة:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الحجر:٤٥]{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ}[الطور:١٧]{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[القلم:٣٤] هذه الصفات العظيمة، النفقة في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس مع الإحسان في بقية الأعمال، فهم محسنون في صلاتهم محسنون في زكاتهم محسنون في صومهم محسنون في حجهم في جهادهم في برهم لوالديهم في صلة أرحامهم في سائر أعمالهم، محسنون لجيرانهم إلى غير ذلك، هم أهل الإحسان، وأهل الكرم، وأهل الجود، ومع ذلك متى زلت القدم، وظلموا أنفسهم بشيء من المعاصي؛ بادروا بالتوبة وعدم الإصرار، فوعدهم الله بالمغفرة لذنوبهم، وبإسكانهم الجنات دار الكرامة ودار النعيم.
فعليك يا عبد الله! أن تعنى بهذه الصفات، وأن تسارع إليها، وأن تكون أبداً في سباق للخيرات ومسارعة إلى الطاعات، وأن تكون أبداً في توبة صادقة وندم على ما مضى منك من السيئات، وعدم الإصرار، لا تغفل فالموت يأتي بغتة، فقد يهجم عليك الأجل وأنت على سيئ العمل، فبادر بالتوبة النصوح، مع الاستمرار في الخيرات والطاعات والأعمال الصالحات، حتى تكون في غاية من الاستقامة، وفي بعد من أسباب الهلاك والندامة.
رزق الله الجميع التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.