نرجو بيان مسألة التورُّق؛ لأنها وضعت في المناهج الفقهية، مع أن ظاهرها ربا؟
الجواب
التورُّق مسألة معروفة، ويسميها العامة (الوِعْدَة) وهو: أن يشتري مالاً من تاجر أو غيره، لا يقصد استعماله وأكله إن كان طعاماً، وإنما يشتريه ليبيعه، ويأخذ نقوده لحاجته إلى الزواج، أو إلى قضاء دين، أو إلى شراء مسكن، أو سيارة، أو ما أشبه ذلك، هذا هو التورق وهو (الوِعْدَة) يذهب إليه يريد العون، فيقول: بِعْنِي مائة طاقة، ومائة كيس سكر، أو سيارة، بِعْنِي إياها إلى أجل معلوم، وقصده من هذا الشراء أن يبيع هذا المبيع في مكان آخر، فيأخذ دراهمه وينتفع بها، فيأخذ السيارة مثلاً، ثم يبيعها في المعرض، ويأخذ دراهمها ليتزوج، أو ليشتري عقاراً، أو ليقضي ديناً، أو ما أشبه ذلك، وهكذا حكم الأكياس التي اشتراها إلى أجل، فيبيعها في أي مكان، ثم يأخذ الثمن، فيَقضي حاجته من زواج أو غيره.
هذه مسألة التورق، ويسميها بعض الناس (الوِعْدَة) وهي جائزة في أصح قولي العلماء، أي: المداينة جائزة، وبيع الآجل جائز، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء، وهو داخل في قول الله جلَّ وعَلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}[البقرة:٢٨٢] .
فهي مداينة إلى أجل، بيع إلى أجل، أما كون المشتري يستعمل ذلك أو يبيعه فلا يضر ذلك، المشتري إذا اشترى المال له التصرف فيه، إن شاء باعه، وإن شاء أبقاه إلى وقت آخر، وإن شاء استعمله إذا كان يستعمل، وإن شاء أكله إذا كان يؤكل، هذا إليه، ولا حرج فيه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل الله في كتابه أن على المشتري أن يستأنف الشراء، والتجار يشترون إلى آجال، ويبيعون، ويتصرفون، ويطلبون الربح، وهو تاجر ببضاعتة بالأموال الجزيلة إلى آجال، ثم يتصرف بها ويبيع يطلب الربح، وهكذا صاحب الوِعْدَة وصاحب التورق، يشتري السلعة الكبيرة بالثمن الكبير، ليوفي ديناً أشغله أهله، أو ليتزوج، أو ليشتري بيت سكن له، أو ما أشبه ذلك، ويسدد هذا الثمن على أقساط مما يرزقه الله عزَّ وجلَّ، ففيها سعة للمشتري، وفيها مصلحة للبائع البائع يستفيد من هذا الأجل ما يُعطاه من الزيادة في الثمن، والمشتري ينتفع بهذه السلعة حتى يتوسع بها في زواجه، أو قضاء دينه، أو شراء سكن له، أو نحو ذلك.
هذا هو الصواب الذي نفتي به، وهو الحق جاء بالدليل.
وهناك مسألة أخرى تسمى: العينة، هي غير التورق، يقال لها: العِينة، وهي من جنس التورق؛ لأنها شراء إلى أجل ولكنها تخالفها؛ لأن المشتري يردها على بائعها بثمن ممقوت، هذا هو الوجه المخالف، فبيع العِينة ممنوع؛ لأنه من الربا، وصفة ذلك: أن تشتري سلعة من إنسان إلى أجل معلوم، مثل أن تشتري سيارة من إنسان بثلاثين ألفاًَ إلى أجل معلوم سنة أو سنتين، أو أقساط، ثم بعد أخذ السيارة التي اشتريتها بثلاثين ألفاً تردها عليه بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً نقداً، تسلمها له، فهذه معناها: حيلة، السيارة حيلة، والحقيقة: أنه أعطاك خمسةً وعشرين ألفاً بثلاثين ألفاً إلى أجل، وباعها نقوداً بنقود ولكن السيارة جعلت واسطة هذا هو الممنوع، وهكذا كأن تشتري الطوائق أو أكياس أرز أو سكر إلى أجل معلوم، ثم تبيعها عليه بأقل من المال الذي اشتريتها به نقداً، هذه هي العينة، وهي ممنوعة.
أما إذا بعتها على غيره فلا بأس، إذا أخذت السيارة أو الأكياس من هذا التاجر الذي باعك إياها إلى أجل معلوم، ثم بعتها على غيره بما يشاء الله، كان هذا هو التورُّق إذا كنت أردت المال والثمن.
فينبغي العلم بالفرق بين الصفتين، فهذه جائزة وهذه ممنوعة، العينة ممنوعة عند جمهور أهل العلم؛ لأنها وسيلة للربا، ولأنها جُعلت فيها السلعة ذريعة للربا، ووسيلة إلى استحلال ما حرم الله، أما التورق فهي مسألة حصلت للتوسع من المشتري في أداء واجباته التي عليه، وفي قضاء حاجاته من زواج وغيره، أو مصلحة ظاهرة للجميع ضد الربا، وضد الضرر.
فليس كل واحد يجد من يقرضه حتى يقضي حاجته، أو حتى يتزوج، ليس كل واحد منا يجب أن يقرضه أو يعطيه أموالاً يتزوج بها، أو يقضي بها دينه، أو يشتري بها مسكناً، أو نحو ذلك؛ فلهذا يحتاج المسلم في بعض الأحيان إلى بيع التورُّق، وشراء السلعة إلى أجل معلوم، ثم يبيعها بالنقد على غير من باع عليه، ويتوسع بالنقد، هذه هي مسألة التورُّق.