الرد على دعوى أن أهل نجد أشد الناس تشدداً في تبديع الأمة
السؤال
إن كثيراً من طلاب العلم في هذه الآونة من الزمان يقولون: إن الذي يجتمع في ليلة مولد الرسول، ويداوم كل سنة على قراءة القصائد والمدائح وغيرها من أنواع الاحتفالات دون وجود الاختلاط مع النساء، المقصود أنهم يقولون: إن هذا المبتدع لا يأثم، وإن علماء نجد أشد الناس تشدداً في تبديع هذه الأمة، وإنه بلغ بهم ذلك بتكفير المالكي الذي رد عليه ابن منيع! نرجو الجواب من سماحة الشيخ، فإنا بحاجة إليه حاجة ماسة؟
الجواب
علماء نجد وعلماء السلف إنما قالوا ما بلغهم عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، ومعهم في هذا علماء القرون الثلاثة، كلهم على هذا المنهج العظيم، وهو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبذ البدع، وعدم الإحداث لا في مولد ولا في غيره، ثم تابعهم أهل العلم والإيمان بعد ذلك، تابعوا أهل السنة والجماعة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، تابعهم أهل الإيمان في القرون كلها من أهل البصيرة، وعلى رأسهم في القرن الثامن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنه بين في كتابه: اقتضاء الصراط المستقم أن الاحتفال بالموالد من البدع المنكرة، كما بين بدعة الاحتفال بليلة الرغائب في رجب وغير ذلك، وهكذا الإمام الشاطبي رحمه الله بيَّن بدعة المولد، وهكذا غيرهم من أئمة الإسلام الذين عرفوا هذه المسألة وسمعوا بها، ووُفِّقوا لمعرفة الحقيقة، بينوا أنها بدعة؛ ولا يجوز فعلها ولا إقرارها، والذين تساهلوا في ذلك إنما تساهلوا ظناً منهم أن ذلك لا بأس به، ولم يتفطنوا للأصول المتبعة، والأدلة الصحيحة الصريحة في تحريم البدع، بل غلب عليهم تقليد غيرهم من آبائهم وأسلافهم، والناس إذا عاشوا في شيء ظنوه طيباً، وظنوه سنة؛ لأنهم عاشوا عليه ودرجوا عليه مع أسلافهم، فيصعب عليهم بعد ذلك إنكاره وقد عاشوا عليه ولو كان بدعة منكرة، حتى إن الذين عاشوا على الشرك أقروا الشرك ورضوا به؛ لأنهم عاشوا عليه وعرفوه، فتجدهم عند القبور يستغيثون بأهل القبور، ويقول: يا سيدي فلان انصرني، واشفِ مريضي، وأنا في جوارك، ويرى أن هذا هو الدين، وهو الشرك الأكبر، نعوذ بالله؛ لأنه عاش عليه، وعاش عليه آباؤه وأسلافَه.
وفي هذا الزمان، في السنين الأخيرة، منذ سنتين أو ثلاث، ألَّف المدعو/ محمد علوي المالكي كان شاباً وكان يرجى فيه قبل ذلك العلم والخير؛ ولكنه أخيراً أظهر شيئاً ما كنا نظن أنه يظهره، أظهر أنواعاً من الشرك، وأنواعاً من البدع، وألف كتاباً سماه: الذخائر المحمدية، فأوجد فيه أشياء تدل على جهله بالتوحيد، وجهله بالسنة، ولذلك رد عليه أهل العلم، وردت عليه هيئة كبار العلماء، ورد عليه غيرهم من إخواننا في مصر وغير مصر من أهل العلم والإيمان، وذلك أنه ذكر في كتابه هذا قصائد مضمونها الشكوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والفزع إليه، وطلبه الغوث والإجارة مما وقع فيه الناس، فهذا يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الله عزَّ وجلَّ، يفتقرون إليه ويسألونه الغوث والنصر ويلجئون إليه، ويفزعون إليه، ويقولون: مَنْ يجيرنا ومَنْ ينصرنا إذا لم تنصرنا يا محمد، وإذا لم تجرنا؟ فنسوا الله عزَّ وجلَّ ولم يلتفتوا إليه، والتفتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، ورفعوا إليه شكواهم، وطلبوا منه النصر والتأييد، وهذا هو الشرك الأكبر، وهذا في كتابه: الذخائر المحمدية قصائد موجودة، ذكرناها وبيَّناها للناس.
ورد عليه أخونا الشيخ: عبد الله بن سالم المنيع، وبيَّن هذه القصائد.
وقد ذكر المالكي في كتابه أيضاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وهذا كفر أكبر آخر، وقال: إنه يدخل الجنة من يشاء، وهذا كفر آخر، فالجنة بيد الله، هو الذي يعطيها من يشاء سبحانه وتعالى، وجعل هذه الموالد من السنن، وجعل من جهله ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، أهذا يقوله عاقل؟ قال: ليلة المولد، ليلة (١٢) من ربيع أول أفضل من ليلة القدر التي قال فيها الرب عزَّ وجلَّ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:٣] فجعل الليلة التي أنزل الله فيها القرآن وجعلها أفضل ليلة جعل ليلة المولد أفضل منها، وسبقه إلى هذا بعض الجهَّال من بعض المغاربة، هذا كله يدل على جهل عظيم ومطبق، والبعد عن معرفة الدين على الحقيقة، فلهذا رددنا عليه ورد عليه غيرنا من أهل العلم؛ لأجل إيضاح الحق، وبيان الهدى، وطالبنا من الدولة وفقها الله أن تمنعه من الحديث في المسجد الحرام، وفي الإذاعة، وفي غير ذلك، حتى يعلن توبته، وحتى يبين رجوعه عن هذا الباطل، لئلا يتأثر به الناس، ولئلا يعلم الطلَبَة الشرك الأكبر بالله، والبدع والمنكرات.
فهذا الذي جرى في هذا الرجل، وألفت فيه المؤلفات في بيان هذا الباطل، وهو رد عليه وعلى غيره من أشباهه، ليس رداً عليه وحده، بل رد عليه وعلى أشباهه، ولا نزال نطلب من ولاة الأمور أن يمنعوه من التدريس في المسجد الحرام، وفي الإذاعة، وفي التلفاز، وفي الصحف، حتى يعلن توبته إلى الله من هذا الشرك الذي وقع فيه، فإذا أعلن توبته من هذا الشرك والبدع فلا بأس، إن أعلن ذلك فهو أخونا في الله، ومتى لم يعلن لنا ذلك فإننا نبرأ إلى الله منه، ونشهد الله على أنه ضل عن السبيل، وكفر بالله بعد الإيمان على ما أحدث من الضلال في كتابه العظيم، ونسأل الله العافية.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدَّل دينه فاقتلوه) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد جاء معاذ ذات يوم إلى أبي موسى في اليمن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى إلى اليمن داعياً ومعلماً ومرشداً، وبعث معاذاً أيضاً إلى اليمن، فقدِّر أن أبا موسى بلغ عن يهودي أسلم ثم ارتد، فدعاه أبو موسى واستتابه أن يرجع إلى الإسلام، فأبى، وإذا جيء به مقيداً يُقتل، إن لم يتب يُقتل، فجاء معاذ فقال: من هذا المقيَّد؟ قالوا: هذا رجل أسلم ثم ارتد إلى دينه الباطل اليهودية.
فقال معاذ: لا أنزل من دابتي حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله.
فقال أبو موسى: إنما جئنا به ليقتل إن لم يتب.
قال: ما أنزل حتى يُقتل، ما دام ما أراد التوبة، فلا أنزل حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله.
فالردة عن الإسلام بين المسلمين شأنها خطير، وشأنها عظيم، ونشر الكفر بين الناس في الكتب شأنه خطير، وبلاؤه عظيم.
فالعلوي هو العلوي من الناس زيد أو عمرو إذا أظهر الكفر بالله وجب أن يؤخذ على يديه، ووجب أن يُنهى، ولو كان من أولاد الأنبياء، ولو كان من أولاد الحكومة، ولو كان من أولاد علماء البلاد، ولو كان من أعيانهم، إذا ارتد عن دينه وأظهر كفره وجب أن يؤخذ على يديه كائناً من كان، سواءً كان زيداً أو عمراً والله المستعان.
نسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يهدي ضال المسلمين جميعاً.