[واجب المسلمين وطلاب العلم تجاه العلماء]
السؤال
ابن تيمية رحمه الله عالم جليل وقدوة في هذا المجال، ويتجلى ذلك من خلال ما ترك من أثر واضح في مجتمعه من خلال أخلاقه ومعاملته، ما هو توجيهكم لعلمائنا في هذا الوقت للاقتداء بمثل هذا؟ ثم ما هو واجب الشباب تجاه العلماء من تقديرهم واحترام رأيهم والتأسي بهم؟
الجواب
الواجب على طلاب العلم من الشباب والشيوخ، والرجال والنساء، احترام العلماء، وتقديرهم، ومعرفة أنهم هم الطبقة العليا في الناس بعد الرسل، على حسب ما أعطاهم الله من العلم والعمل، فهم متفاوتون، وعلى حسب احترامه وتقديره لهم تكون عنايته أيضاً بأقوالهم والأخذ بها، وترجيح الراجح، والدعوة إلى التمسك بذلك، ومتى سقطوا من عينه لم يأخذ بأقوالهم، ولم يحترم فتاواهم، فالواجب أن يقدرهم ويحترمهم لِمَا حملوه من علم الشريعة، وأن يكون أقربهم إلى الحق، وأصدقهم في اتباع الحق، أعظم منزلة في قلبه من غيره.
ثم في الأخذ بالفتاوى يعتمد على ما قام عليه الدليل، وظهرت عليه الحجة، من أقوال أهل العلم في عصره، أو فيما ينقله العلماء في كتبهم عند الاختلاف.
ومن أبرز العلماء وأولاهم بالاتباع والعناية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، العلم المشهور، شيخ الإسلام، هذا من أبرز العلماء وأفضلهم، ولا أعلم على حسب ما اطلعتُ عليه لا في زمانه ولا بعد زمانه أعلم بالله ودينه، وأتقى لله منه، فيما ظهر به من كتبه ونشاطه وغيرته لله، رضي الله عنه ورحمه.
ثم يليه في هذا تلميذه البار الصادق العلامة ابن القيم رحمه الله، وهو من أكمل الناس علماً وفضلاً وتقوى، وتجده أيضاً بالعناية بكتبه، وقد اعتنيا جميعاً بالأدلة الشرعية، والعلل المرئية، وترجيح الراجح، وتزييف الزائف في مسائل الخلاف بكل عناية، وبكل تجرد، وبُعدٍ عن الهوى، وليسا معصومين، فكلٌّ له أغلاط، وكل له هفوات، لا شيخ الإسلام، ولا العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، ولا غيرهم من أهل العلم، كلٌّ له نصيبه مِمَّا أعطاه الله من العلم والفضل، وكلٌّ له أغلاط، وكلٌّ له أخطاء؛ لكن هي بالنسبة إلى علمهم وفضلهم كقطرة في بحر، وهكذا الأئمة الأربعة، وهكذا أهل العلم، كلٌّ له بعض الأخطاء، وبعض الأغلاط، على حسب بصيرته في كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى أصل ما بلغهم من العلم، فقد يبلغ العالم أكثر مما يبلغ العالم الآخر من الأدلة الحديثية، وقد يفهمون من الكتاب العزيز ومن السنة ما لا يفهمه الآخر؛ فلهذا تفاوتوا، وتفاوتت مراتبهم في العلم، وهم طبقات.
وقد صنف أبو العباس ابن تيمية رحمه الله كتاباً في هذا الشأن، سماه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وهو كتاب جدير بالعناية، كتاب مفيد مطبوع يوزع في دار الإفتاء، ويباع في المكتبات، فهو كتاب جيد ومفيد، يعرف به طالب العلم منازل العلماء، وأعذارهم فيما قد يفعلون من الأخطاء والأغلاط.
والحاصل: أن أبا العباس ابن تيمية من خيرة أهل العلم، وهو جدير بأن يُعتنى بكتبه وأقواله، وهكذا تلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليه.
وهكذا أئمة الدعوة، مثل: محمد بن عبد الوهاب، ومن سار في دعوته، ونصر دعوته، وألَّف فيها، هم أيضاً جديرون بالعناية، يجب أن يُعتنى بكتبهم، وما قرروه في توحيد العبادة، وفي الرد على أهل البدع، وفي نصر السنة، فلهم في هذا حظ وافر، ونصيب عظيم رحمة الله عليهم.
ولذا فإن شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر في المعنى شيخاً للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، وإن كان بينهما مسافة طويلة من الزمان؛ لكنه في الحقيقة شيخ له، لعكوف الشيخ الإمام محمد على كتبه والاستفادة منها، ومن كتب ابن القيم، ومن أشباههم من أهل العلم والبصيرة.
فالحاصل أن هؤلاء الأخيار من أولى الناس بأن يُعتنى بكتبهم وما قرروه من أدلة، كما يُعتنى بالكتب الماضية من كتب أهل العلم في المذاهب الأربعة، والاستفادة منها، والاعتناء بها؛ لأن كل كتاب في الغالب لا يغني عن كتاب، ولا سيما الكتب التي تذكر الأدلة، وتعتني بالخلاف، وتذكر خلاف الأئمة، فإنها تفيد طالب العلم كثيراًَ، فينبغي أن يُعتنى بها، وعلى رأسها كتب المتقدمين، وهكذا كتب الحديث في القمة وفي المنزلة العليا بعد كتاب الله، فيعتني بها بعد كتاب الله، فإن بعد كتاب الله كتب التفسير وكتب الحديث، فهي الأسس وهي الكتب التي تعتبر في القمة على بقية الكتب؛ ولكن كتب أهل العلم يُستفاد منها في تخريج الأدلة وبيانها في محلها، واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما تعارض منها مع ما ظاهره التعارض، وبيان صحيحها من سقيمها، إلى غير ذلك.
فطالب العلم يستفيد من هذه وهذه، ومن كتب الأولين والآخرين، ولا يحتقر زيداً أو عمراً ما دام من أهل السنة ومن أهل الحق، وممن يعنى بالدليل، فإنه قد يجد عنده ما لا يجد عند الآخر.
ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يحرص على الكتب التي تذكر المسائل الخلافية، وتذكر أدلتها؛ ليستفيد منها حسب طاقته، وحسب وسعه وإمكانه، والله المستعان.