بين الله في آيات كثيرات أمره بذلك، فقال سبحانه وتعالى:{انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:٤١] وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:٣٥] فجعل الفلاح معلقاً بالتقوى وقربة إلى الله بطاعته والجهاد في سبيله؛ فدل ذلك على وجوب التقوى، ووجوب التقرب إلى الله بطاعته، وعلى وجوب الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى كما كتب علينا؛ قال عز وجل:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}[البقرة:١٩٠] أي: الذين من شأنهم القتال كما بين ذلك أهل العلم، بخلاف النساء والأطفال، فليس من شأنهم القتال وبخلاف الرهبان في الصوامع، وبخلاف المشايخ العاجزين، فإنهم ليسوا من أهل القتال؛ ولهذا قال بعد ذلك في نفس السورة:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}[البقرة:١٩٣] فعلم بذلك أن المراد هو قتال الكفرة الذين من شأنهم القتال لا قتال من شأنه العجز عن القتال من النساء والصبيان والعجزة من الشيوخ وأرباب الصوامع، فليسوا من أهل القتال.
وقال في الآية الأخرى في سورة الأنفال:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال:٣٩] فبين سبحانه وجوب قتالهم حتى تزول الفتنة وهي الشرك بالله عز وجل، ومن ذلك افتتان الناس في دينهم وصدهم عن سبيل الله، ويكون الدين كله لله، ليس فيه عبادة لغيره سبحانه وتعالى، بل يكون الدين كله لله وحده لا يعبد معه صنم ولا قبر، ولا جن ولا كوكب، ولا ملك ولا نبي ولا صالح ولا غير ذلك، بل تكون العبادة لله وحده سبحانه وتعالى قال عز وجل:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة:٣٦] فأمر أن نقاتلهم جميعاً، فدل ذلك على أن القتال مفروض علينا وأنه لجميع المشركين الذين من شأنهم القتال؛ حتى يدخلوا في دين الله، وحتى يكون الدين كله لله وحده سبحانه وتعالى.
وقال جل وعلا في آية أخرى في سورة التوبة:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التوبة:٥] فبين سبحانه أنهم يقاتلون حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويتوبوا من شركهم، فعند ذلك يخلى سبيلهم، ولم يقل: أو يكفوا عن القتال، قال:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التوبة:٥] ولم يقل سبحانه: أو يكفوا عنكم أو كفوا عن قتالكم، فدل ذلك على أن الأمر استقر على جهادهم حتى يعبدوا الله وحده ويخلصوا من الشرك ويتوبوا إلى الله منه، وحتى يلتزموا بأحكام الإسلام من الصلاة والزكاة وغير ذلك.
في الآية التي بعدها {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[التوبة:١١] قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:١٤-١٥] فأمر بالقتال المطلق فدل ذلك على أن الدور الأخير هو القتال المطلق وهو جهاد أهل الشرك، وهذا مكتوب علينا كتابة، ومفروض فرضاً، وهو فرض كفاية عند أهل العلم إذا قام به من يكفي من المسلمين صار في حق الباقين سنة مؤكدة وفضلاً عظيماً، بل في حق أفراد الناس هو أفضل العمل المتطوع.