فالعاقل يحاسب نفسه ويجاهدها وينظر، ولا يسكت ولا يغفل، بل ينظر ماذا عمل؟! وماذا قدَّم لآخرته؟! كما يقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر:١٨-٢٠] .
فالعاقل ينظر ماذا قدَّم لآخرته! ماذا حصل منه ضد الباطل! ماذا عمل لسعادة أهله وأولاده وجيرانه وجماعته! لا يغفل لا بد أن ينظر دائماً هل هو في خسارة أم في ربح! في سعادة أم في شقاء! في هدى أم في ضلال! ينظر ويحاسب نفسه دائماً، ويلزمها بالحق الذي عرفه؛ بالمحافظة على الصلاة في جماعة، بأداء الزكاة، بر الوالدين، صلة الرحم، صدق الحديث، البعد عن أنواع الفساد، صحبة الأخيار، ترك صحبة الأشرار، هكذا يحاسب نفسه، إن كان يتعاطى مسكرات حاسب نفسه وترك المسكرات، وإن كان يجالس الأشرار حاسب نفسه وابتعد عنهم، ينظر هل يستفيد أم يتضرر! هل هو يعمل لآخرته أم يعمل للنار! يحاسب نفسه.
الوقت وقت خطر عظيم، أينما كنتَ ترى الباطل، وتسمع الباطل في كل مكان، أينما كنتَ فالمذياع حاضر، والتلفاز حاضر، والصحافة حاضرة، فيها من الشر ما لا يعلمه إلا الله، وأنت تسمع بأذنك، وترى ببصرك، وتكتب بقلمك، أو تقرأ، فانظر ماذا حصَّلت منه! وماذا تكسب من سماع الإذاعة ومن مشاهدة التلفاز ومن قراءة الصحف؟! هل أنت تكسب خيراً منها أو تكسب شراً؟ فإذا كنتَ تكسب شراً فاحذر، قف! فإن كنت تكسب خيراً فاحمد الله، واستمر على الخير، واحذر الباطل، ثم لا تقتصر على نفسك، بل انصح أخاك، وزوجتك، وأباك، وأمك، وولدك، وجارك، وصديقك، تنصحه عما ترى وعما تشاهد من الباطل الذي قد يضره كما قد يضرك، والمسلم أخو المسلم.
يقول عليه الصلاة والسلام:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ويقول صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) .
إذا كانت النصيحة قبل هذا الوقت وقبل هذه الحوادث واجبة؛ فهي اليوم أوجب وأوجب.
وإذا كانت الدعوة قبل مائة عام أو مائتي عام واجبة؛ فهي اليوم أوجب وأوجب وهكذا.
فالآن طفح الشر وزاد وانتشر، فوجب أن تضاعف الجهود في مضادته ومكافحته، وهذا هو الغزو الفكري الذي يقولون عنه، وهو ما يأتيك من طريق الصحافة والإذاعة والتلفاز والمؤلَّفات، كل هذا وفكري، وإلحادي، فهو غزو ضار إلا ما رحم ربك فأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يرزقنا جهاد هذه النفس ومحاسبتها؛ حتى تستقيم على الحق، وحتى تَدَعَ الباطل، وأن يرزقنا وإياكم صحبة الأخيار، والبطانة الصالحة، وأن يعيذنا والمسلمين جميعاً من صحبة الأشرار، ومن البطائن الضارة، وأن يوفق علماء المسلمين في كل مكان لنصرة الحق والقيام بما يجب عليهم من الدعوة إليه، والصبر على ذلك، وأن يوفق حكام المسلمين في جميع الدنيا لِما فيه رضاه، وأن يعينهم على نشر الحق، وعلى الحكم بالحق، وعلى قمع الباطل، وعلى جهاد الباطل وأهله أينما كانوا، وأن يعيذهم من طاعة الهوى والشيطان، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم.
ونسأله بوجهه الأكرم أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يعينهم على إصلاح وسائل الإعلام؛ حتى يزول منها الشر، وحتى يثبت فيها الخير، وحتى تكون أداة خير وإصلاح من جميع الوجوه، وأن يرفع الله عنا كل بلاء، وأن يوفق علماءنا وعلماء المسلمين في كل مكان لأداء الواجب، ونصر الحق، وأن يوفق عامة المسلمين للتبصر والنظر والثبات على الحق، والسؤال عن الحق وترك الباطل، والتواصي بالحق فيما بينهم، إنه سميع قريب.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.