[وفاة ابن باز وأثرها على العلماء والمثقفين وطلاب العلم]
المقدم: نريد أن تتحدث لنا فضيلة الشيخ عن وفاة الشيخ ابن باز، وأثر ذلك بين المثقفين والعلماء وطلبة العلم؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: الحديث عن الأثر الذي تركته وفاة والد الجميع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتي المملكة العربية السعودية، أثر الحديث عنه مما يضفي على الإنسان الأسى والحزن والتأثر البالغ، ونحن في الواقع خاصة أهالي الدلم نعتبر سماحة الشيخ والداً لأهل الدلم، والد عطف وحنان ومرحمة على جميع أهالي الدلم، وله فضل لا يعرفه أحد أكثر مما يعرفه أهالي الدلم، والسبب: أن الحقبة الزمنية التي قضاها سماحة الشيخ هي باكورة عمره العملية، فهو ما عمل في القضاء في غير الدلم، فقد عين في القضاء في الدلم لمنطقة الخرج كلها، ومقر إقامته مدينة الدلم منذ شبابه، وسنه يناهز العشرين بما أعرف، أو سبعة وعشرين تقريباً، وهذه الحقبة الزمنية التي تربو على أربعة عشر عاماً هي باكورة نشاطه العلمي والدعوي والقضائي والإصلاحي، كل ذلك كان في الدلم، ثم هي جذوة حماسه الشبابي في مجال الدعوة وطلب العلم، والحض عليه، والدعوة لطلاب العلم، وهذه الحقبة الزمنية ليست بالأمر الهين، وهي زهرة في سيرة حياة الشيخ، لكن لا يعرفها أكثر من أهالي الدلم إلا النزر اليسير ممن لهم صلة بسماحة الشيخ ممن يزوره آنذاك، أو يعرف عنه ذلك.
وحياة الشيخ في مقامه في الدلم كما يعلم الكثير في ذلك الوقت القاضي هو كل شيء، والدولة وفقها الله في حياة الملك عبد العزيز المؤسس رحمه الله كان القاضي مكان الثقة التامة، والقاضي يقوم مقام ولي الأمر العام ونائبه في كل ما يستدعي ذلك، فالقاضي هو الداعية والخطيب والإمام، والناظر للأوقاف، والراعي للأيتام، وهو المعلم، وهو كل شيء في الواقع؛ لأنه هو الذي يمثل الحاكم العام.
والصلاحيات لديه، ويتصرف حسب ما يرى أنه المصلحة العامة، والثقة فيه من جهة ولاة الأمور.
لذا حظيت الدلم بهذه الحقبة الزمنية من عمل الشيخ الجاد المثمر في التدريس في حلقات حسبما سمعنا من الشيخ/ عثمان بن هليل، ومن شيخنا وأستاذنا الشيخ/ عبد الرحمن بن الجلال، حلقات ربما سبقني المشايخ في الحديث عنها، وأنا من صغار طلابه، كنت آنذاك من طلاب العلم الصغار أدرس الأصول الثلاثة وآداب المشي إلى الصلاة وزاد المستقنع والأربعين النووية ونحو ذلك.
ولكني أذكر المواقف التي لا يمكن أن تحصل -والله تعالى أعلم- أو يتحملها أحدٌ سوى الشيخ، خاصة السيرة الذاتية، فالعلم وطلب العلم ميدان للجميع، ويمكن أن هناك علماء يكونون في المكانة العلمية الكبرى، لكن السيرة الذاتية والأخلاق والمواهب التي وهبها الله لسماحة الشيخ عبد العزيز هي فضل من الله، مثل: حسن الخلق، والتواضع، والسماحة، والعطف على الناس، والمساواة بين الناس، والبذل المالي، والسخاء والكرم، وفتح بابه للناس في كل وقت، وحب الناس له، وانفتاح القلوب وثقتهم به، هذه مواهب من الله سبحانه وتعالى، وقد حظي بها سماحته فضل من الله سبحانه وتعالى ومنة عليه، والناس شهداء الله في أرضه.
ونحن نرى الآن ماذا ترك أثر وفاته رحمه الله في العالم الإسلامي كله، لا في المملكة فقط، نرى ما يقرأ، وما يذاع، وما ينشر، وما يقال في المنابر، وفي كل مناسبة نرى عظم الصدمة التي واجهها العالم الإسلامي بفقد ذلك الفذ العالم الإمام الموفق رحمه الله تعالى وجمعنا به في جنات النعيم.
والدلم حسبما أذكر وأنا صغير كانت بمثابة جامعة، جامع الدلم جامعة تتعاقب عليه حلق طلب العلم من بعد صلاة الفجر واستمراراً إلى العشاء، عدا فترة الضحى هذه للمحكمة، يجلس في المحكمة، وإذا كان يوم الإثنين أو يوم الخميس يجلس في السوق المعروف المعتاد في الدلم، وحتى الآن الأسواق عندهم يومي الإثنين والخميس للسوق نصيبه من الوعظ والإرشاد، إذا اجتمع الناس في ذروة اجتماعهم في السوق قرابة الساعة الثامنة خرج إلى السوق وجلس ثم انضوى حوله الرجال والنساء، وخشعت تلك الأصوات في السوق، واجتمعوا حوله، فبدأ بالتذكير والوعظ والتوجيه والوصية، والتحذير من الحرام، والمبايعات المغشوشة، وغير ذلك فيما يخدم المصلحة العامة، ثم يقوم ويتوجه إلى المحكمة، فهذا الصبر والجلد، وهذا الوقت المبارك، بالإضافة إلى عمله الرسمي في المحكمة، فهذا أمر لا أظنه يتهيأ لإنسان سوى ذلك الرجل.
أسأل الله أن يغفر له، وأن يجمعنا به في جنات النعيم، وأن يحسن الخلفة للأمة الإسلامية، وأن يعوضها من فيه البركة والسداد، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله محمد، وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله.