[سعد الدريهم يتحدث عن سيرة ابن باز في الدلم]
السؤال
الأستاذ سعد الدريهم، مدير مصلحة المياه، والمؤرخ التاريخي المعروف في محافظة الخرج، ماذا تتحدثون عن حياة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كان قاضياً ومعلماً ومصلحاً اجتماعياً في محافظة الخرج ككل، وكما نعلم توفي سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يوم الخميس الموافق (٢٧/١/١٤٢٠هـ) ، وأتقدم بخالص المواساة وعزائي لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني سمو الأمير: عبد الله بن عبد العزيز، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير: سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وإلى كافة أسرته الكريمة، وإلى كافة إخواني المسلمين، ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.
وسأتكلم باختصار عن جانب من جوانب حياته العامرة بالصلاح والإصلاح، وهو القضاء في الخرج، والقضاء يشمل المحافظة جميعها، مدنها وقراها، منها: الدلم واليمامة والسليمية ونعجان وضبيعة والعين وماوان، والمدن القديمة القائمة في عهد الملك عبد العزيز، وما يسمى... حالياً الخرج مقر المحافظة أنشأ أخيراً بمبادرة كريمة من جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تولى القضاء في الخرج، ومقره قاعدة الخرج الدلم، وهو القاضي والمعلم، تولى القضاء في الخرج في عام (١٣٥٧هـ) حتى عام (١٣٧١هـ) ولمدة أربعة عشر عاماً، تصله القضايا من جميع أنحاء إقليم الخرج، وكان رحمه الله ينهي القضية بأسرع وقت، وينجزها بعد ما يتحرى الدقة بين المتقاضيين، وكان حريصاً جداً على إعطاء كل ذي حق حقه، ولا تأخذه في الحق لومة لائم.
أول من أنشأ السجلات، وقيد القضايا، واستخرج الوثائق -الصكوك حالياً- في أقليم الخرج، وجعل من سكنه محلاً للقضاء والتحاكم، وأوجد فيه مجلس انتظار للرجال ومجلساً للنساء.
مدينة الدلم كانت محظوظة جداً حيث قدم لها السعدي عندما تم تعيينه قاضياً فيها ولجميع بلدان إقليم الخرج، فازدهر كل شيء فيها، واعتز الناس بها، وأصبحت مدينة من أكبر المدن بمقياس ذلك الوقت، ولحب الملك عبد العزيز للخرج وأهله، أرسل سماحة الشيخ لهم، واستبشروا واستفادوا من قدومه، قدم معه العلم والتعليم، وسماحة الشيخ جعل من المسجد الجامع الكبير بـ الدلم جامعة علمية، يدرس فيه القرآن وعلومه، وعلوم الشريعة ودوافع الطلاب من خارج محافظة الخرج للدراسة على يديه، واتخذوا من مدينة الدلم سكناً لهم للقرب من التعليم على يد الشيخ، وكان سماحته رحمه الله حريصاً جداً على رعايتهم وإكرامهم، وتزامن ذلك في وقت كان الملك عبد العزيز طيب الله ثراه يشجع التعلم والتعليم، وخاصة في بداياته، ويجزل العطاء، إيماناً منه بأن التعليم هدف أساسي في نمو البشر، وقد كتب سماحة الشيخ عبد العزيز للملك عبد العزيز يشرح فيه ظروف المتعلمين، وأمر ببناء مقر لهم، ومنحهم المكافآت، وقد درس على يديه كثير من العلماء الأجلاء، وقد وصلوا إلى مرحلة متقدمة من التعليم، ووصلوا إلى أعلى المستويات، وساهموا في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم، ولذا لم يكن سماحة الشيخ في محافظة الخرج قاضياً فقط، بل كان قاضياً ومعلماً ومفتياً، ومسئولاً على الخدمات العامة، وعلى أعلى المستويات.
ومن الأهمية بمكان، أن نذكر أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يفد عليه كثير من الناس بمقر إقامته بمدينة الدلم من خارج محافظة الخرج، يستفتونه في مسائل الطلاق ويفتيهم، فكم له من فتوى أعادت البسمة بين زوجين متفارقين كادا يفترقا طول عمرهما، وكم من ابن وابنة ضمهما جناح الأبوين الأب والأم، فكان سماحته حريصاً على صلة الأرحام، وترابط الأسر، وصلة ذوي القربى، ويحث عليه، ويركز على المودة والمحبة، وحريصاً على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة.
كان له مجلساً عاماً في السوق العام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، حيث الناس يستمعون في هذين اليومين من كل أسبوع رجالاً ونساءً للتسوق فيذكرهم ويناصحهم ويتفهم قضاياهم ويدلهم على الخير وطرقه، مجتمع ريفي حظي بإنسان عاش بينهم قاضياً ومعلماً ومفتياً ومصلحاً اجتماعياً، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
ولي أن أذكر جانباً من جوانب خدماته الاجتماعية: كان رحمه الله هو المسئول عن الأوضاع الزراعية والبلدية والقضائية، وجميع ما يسمى في وقتنا الحاضر إدارة الخدمات، يتصرف بحكمة فيما يصلح شأن المسلمين، من غير كلل أو عدم مسئولية، ففي وقته بدأت السيارات وبأعداد قليلة، وفي ذلك الوقت كانت الشوارع ضيقة جداً لا تتسع للسيارات، فأمر ووقف على توسيع بعض الشوارع متخذاً المصلحة العامة هدفاً أساسياً، ويقف بنفسه حتى يصلح ما يراد إصلاحه، ولا يترك خللاً يفسد ما أصلحه.
وفي عام (١٣٦٠هـ) وقعت أمطار كثيرة، وكانت البيوت طينية، والشوارع ضيقة، وامتلأت الشوارع بالمياه الخارجة من هذه البيوت، وكاد يحصل منه ضرر كبير، إلا أنه وبثاقب بصيرته أمر بفتح مجرى لإنزال هذه السيول إلى آبار ملحقة ببساتين لخدمة سكان المدينة، حيث في ذلك الوقت لا توجد شبكة مياه، ويعتمد الناس على الآبار في سقياهم، وحلت مشكلة كبيرة، وبعدها درس مشكلة تصريف سيول هذه الأمطار، حسب المناسير -أي: الانحدار- وشق لها مجرى وعين لها مصرفاً، ومع ذلك يتخذ القرار حسب المصلحة العامة، ولا تهمه المصلحة الخاصة أو المعارضة.
وفي نفس العام أيضاً حصل قدوم سيول كثيرة، وكانت البلد محاطة بسور من الطين، وطبيعة مدينة الدلم تقع في وسط الأودية، وخاف سماحة الشيخ من دخول هذه السيول البلد وتهدمها، ولا بد من دفع الخطر، فأمر على الرجال المقتدرين بالحضور مع الأدوات والمعدات وأمر بتجهيز مئونة الأكل والشرب، وتقدمهم سماحته في مواقع مختلفة وجلس بينهم يحثهم ويدعو لهم، وتم عمل حواجز كبيرة لدرأ خطر السيول، وفعلاً تم اجتياز الخطر والحمد لله.
وفي عام (١٣٦٤هـ) سنة الدبا، والدبا: صغار الجراد، يزحف مع بداية نموه يأكل الأخضر واليابس، أمر سماحته على الناس بمكافحة هذا الوباء، وتقدم الناس بعد ما تم تأمين الأكل والشرب، وتم حفر عدة خنادق، لردم هذا الدبا، وكان سماحته يأخذ جريدة من سعاف النخيل، ويهش بها، وكان مشجعاً وداعياً لهم بالقوة، ويزيد ذلك من فعاليتهم، واستمر ذلك عدة أيام حتى رفع الله البلاء.
رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.