الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإني أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء مع إخوة في الله في بيت من بيوت الله، للتناصح والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتعاون على البر والتقوى، وأسأله عز وجل أن يجعله لقاءً مباركاً، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه، والنصح له ولعباده، وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، ونزغات الشيطان، إنه جل وعلا جواد كريم.
أيها الإخوة في الله: تعلمون أن الله عز وجل إنما خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، لم يخلقهم عبثاً ولا سدى، ولكن خلقهم لأمرٍ عظيم، خلقهم ليعبدوه ويعظموه وينقادوا لأمره، قال تعالى:{أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً}[القيامة:٣٦] أي: معطلاً لا يؤمر ولا ينهى، كلا! وقال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:١١٥] ، ينكر عليهم ذلك سبحانه وتعالى، ويقول جل وعلا:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[ص:٢٧] لم يخلقها باطلاً، بل خلقها لأمر عظيم وحكمة عظيمة، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:٢١] خلقهم ليتقوه وليعبدوه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٦-٥٨] .
وقد أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام بهذا الأمر العظيم، فقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:٣٦] ، وقال عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:٢٥] ، هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس، أن يعبدوه ويعظموه، وينقادوا لشرعه، ويتواصوا بذلك، خلقوا لهذا وأمروا بهذا، فالواجب على جميع الرجال والنساء، والجن والإنس، والعرب والعجم، والأغنياء والفقراء، الجميع يجب عليهم أن يعبدوا الله وأن يعظموه وينقادوا لشرعه، وعليهم أن يتفقهوا في هذه العبادة، وأن يعرفوها ويعلموها، ولا طريق إلى ذلك إلا باتباع الكتاب والسنة، والتفقه في الكتاب والسنة؛ حتى تعرف العبادة التي أنت مخلوق لها، وأنت مأمور بها، وهي توحيد الله وطاعته وهي الإسلام والإيمان هي الهدى والبر والتقوى هي طاعة الله والانقياد لشرعه.
هذه العبادة التي أنت مخلوق لها سميت إسلاماً، وسميت إيماناً، وسميت عبادة، وسميت طاعة لله ولرسوله، وسميت تقوى وبراً وهدى، وحقيقة الأمر أنها فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، هذه العبادة التي أنت مأمور بها أصلها وأساسها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هاتان الشهادتان هما أعظم الأوامر، وهما أساس العبادة، وهما أساس التوحيد، أن تعبد ربك وحده وأن تخصه بالعبادة، وأن تعلم يقيناً أنه هو المعبود بالحق دون كل ما سواه، كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[الحج:٦٢] ، وقال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء:٢٣] ، وقال سبحانه:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[النساء:٣٦] ، وقال سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة:٥] ، وقال سبحانه:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] ، لما أثنى على نفسه في الفاتحة التي هي أعظم سورة قال بعدها:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}[الفاتحة:٥]{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:٣-٤] ، علَّم عباده أن يقولوا هكذا، ثم يقول القارئ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] أي: إياك وحدك نعبد وإياك وحدك نستعين.
فالعبادة حقه وحده دون كل ما سواه، فمن عبد مع الله ملائكة، أو أنبياء، أو أصحاب القبور، أو الأصنام، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الجن يدعوهم، أو يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يعبدهم بشيء من العبادة؛ فقد كفر بالله، وناقض قول لا إله إلا الله، وخالف ما خلق له.
فالواجب على الجميع أن يعبدوا الله وحده، وأن يخصوه بدعائهم، وخوفهم، ورجائهم، وصلاتهم، وصومهم، وذبحهم، ونذرهم، وحجهم وغير ذلك، فالعبادة حق الله:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:٥]{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[الحج:٦٢] .