[الاحتفال بالمولد بدعة محدثة]
فالحاصل أن هذه البدعة التي ابتدعها ملوك المغرب في القرن الرابع، ثم تابعهم بعض الناس، ثارت في الناس، وانتشرت في الناس، في أفريقيا وغيرها من بلاد المسلمين، وصارت سنة عندهم، من أنكرها فقد أنكر السنة، ومن خالف فيها فقد خالف السنة؛ لأنهم عاشوا ونشئوا عليها هم وأسلافهم الذين مضوا بعد القرون الثلاثة المفضلة، وبعد ظهور البدعة في القرن الرابع على يد الفاطميين، ثم على يد مَن جاء بعدَهم من بعض الناس، صار بعض الناس الذين نشئوا فيها واعتادوها يعتقدونها سنة، ويعتقدونها عيداً يجب أن يُقام، ويجب أن يُعظَّم، وإنما هو بدعة منكرة ما أنزل الله به من سلطان.
ولقد رأيت التنبيه على هذا، وكان الناس في هذه البلاد لا يعرفون هذه الأمور؛ لأنهم -بحمد الله- نشئوا على الطريقة المحمدية، والسيرة التي سار عليها النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ بسبب دعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في القرن الثاني عشر، فإنه دعا إلى السنة، ونَشَر دين الله، وعلَّم الناس ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهكذا أولاده وأتباعه وأنصاره من آل سعود ساروا على هذا النهج، يعلِّمون الناس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته، وأحكام الشريعة، ولا يعرفون هذه الموالد، ولا يقيمونها؛ لأنهم عرفوا من دين الله وعرفوا من أئمة الهدى الذين دعوا إلى الله في هذه البلاد أن هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان، فما كان يحتفلون بذلك، وما كانوا يعرفون ذلك.
لكن لما وُجدت الإذاعات والصحف، وانتشرت بين الناس هذه الأمور؛ صار الناس يتبعون هذه الاحتفالات في الإذاعات، ويقرءونها في الصحف، ووُجد بيننا في غرب المملكة مَن قد يحبذ هذا الشيء ويظن أنه قُربة وطاعة.
فوجب حينئذٍ على أهل العلم أن يبينوا شرع الله في هذه المسائل، وأن يوضحوا للناس الحقيقة التي سار عليها نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وأئمة الإسلام بعدهم، وأن يوضحوا البدع التي ابتدعها الناس، بلاغاً عن الله وعن رسوله، وأداءً للأمانة، وتحذيراً الأمة من البدع التي ما حدثت في قوم إلا حلَّ بهم الدمار، وانتشرت بينهم الشرور والفساد.
البدع مفاتيح الشر، وهي أعظم وأكبر من المعاصي، فإن أعظم المنكرات: الشرك، ثم بعده البدعة، ثم بعده كبائر الذنوب.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: فهو مردود عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
وكان يخطب صلى الله عليه وسلم في الجمع، فيقول في خطبته: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) .
وقال عليه الصلاة والسلام لما خطب الناس ذات يوم: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) .
فوجب على أهل العلم والإيمان أن يبينوا هذه البدع، ويرشدوا الناس إلى ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، وأن الواجب الحذر منها وإنكارها، وعدم الموافقة عليها، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولا أصحابه، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة.
فلو كان الاحتفال بالمولد النبوي أو بموالد الأولياء وأفضل الأولياء وأعظمهم: الصدِّيق رضي الله عنه، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المُبَشَّر لهم بالجنة، هؤلاء أفضل أولياء الله بعد الرسل والأنبياء، ومع ذلك لم يحتفلوا بموالدهم، ولم يحتفل بموالدهم بقية الصحابة، ولا التابعون، ولا أتباعهم بإحسان، فكيف يجوز لنا أن نحدث في دين الله ما لم يأذن به الله؟ فلو كان خيراً لسبقونا إليه.
والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، وما بقي شيء يقرب من الله إلا دعا إليه، وعلَّم الناس إياه عليه الصلاة والسلام، كما أنه ما بقي شيء يضرنا إلا نهانا عنه عليه الصلاة والسلام، فقد نهانا عن البدع، وحذَّرنا من البدع، وقال: (إياكم ومحدثات الأمور) ، وقال: (شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ، ولَمْ يُقِمْ مولداً له عليه الصلاة والسلام في حياته، ولا أرشد الناس إلى ذلك، ولا أقامه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي ولا غيرهم، ولا معاوية بعدهم، ولا الأئمة بعدهم في القرن الأول، والقرن الثاني، والقرن الثالث، ولا أئمة الهدى بعد ذلك، فكيف يسوغ للمسلمين أن يتابعوا الرافضة وغير الرافضة من أهل البدع أو جهلة الأمراء أو غيرهم ممن أحدثوا البدع؟! بل الواجب على أهل الإسلام والإيمان أن يتقيدوا بالسنة، وأن يستقيموا ويسيروا عليها، وأن يحذروا ما خالفها.
والله جلَّ وعَلا بعث رسوله صلى الله عليه وسلم معلماً للناس ومرشداً لهم، وأمره أن يبلغهم ما بعثه به، فلم يمت عليه الصلاة والسلام إلا وقد بلغ كل شيء، ولم يكتم شيئاً عليه الصلاة والسلام، بل بلَّغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده عليه الصلاة والسلام.
فلو كان الاحتفال بالمولد في الثاني عشر من ربيع الأول أو قبله أو بعده، أو في غير ذلك لبينه للأمة، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم، فقد نقلوا كل شيء رضي الله عنهم وأرضاهم، ولفعلوه في أنفسهم؛ لأنه لا يوجد بعده نبي يبلغ عنه، فهو خاتم الأنبياء، فالشيء الذي ما بلغنا إياه ولا علَّمنا إياه فليس لنا أن نحدثه.
فالدين كامل بحمد الله، قد أكمله الله، فليس لأحدٍ من الناس أن يحدث في الدين أو يشرع فيه ما لم يأذن به الله، والعبادة توقيفية، ليست بالآراء والاختراعات، ولكنها بالتوقيف قال الله وقال رسوله، فما لم يأت عن الله ولا عن رسوله من العبادات فليس لنا أن نتعبد به فيكون بدعة.
قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١] ، وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [الجاثية:١٨-١٩] .
ولهذا فإن أهل العلم بينوا أن بدعة الموالد ما أنزل الله بها من سلطان، وما انتشرت بين الناس، كل جماعة لهم شيخ أو كبير يجعلون له مولداً، ويجتمعون له، ويحتفلون بالطعام وغير ذلك في أيامٍ وليالٍ معلومة، وجعلوا من ذلك مولد النبي عليه الصلاة والسلام، فصاروا يحتفلون به في ربيع الأول؛ لأنه مات عليه الصلاة والسلام في الثاني عشر من ربيع الأول، فيوم ربيع الأول مولد ومأتم عند أهل البدع، والله ما شرع لنا لا الاحتفال بالمولد ولا بمأتم وحزن على الأموات، فلا نقيم مولداً ولا مأتماً، وقد جمعت الرافضة بين هذا وهذا، فجعلوا مآتم بموت عظمائهم، وجعلوا موالد لعظمائهم، وتابعهم كثير من الناس على هذه البدع، فجعلوا عاشوراء مأتماً للحسين، وجعلوا في رمضان مأتماً لـ علي، وتابعهم كثير من أهل البدع، فجعلوا المآتم والموالد التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وأهل السنة والجماعة وقولهم الحق لا يرون أن فعل هؤلاء وهؤلاء حق، ويقولون: يجب التوقف عن كل بدعة، وترك كل بدعة، والسير على منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سار عليه في حياته، وسار عليه أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وسار عليه أئمة الهدى من بعدهم، وقالوا: يجب أن نعمل بقوله عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: فهو مردود عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا -أي: في ديننا- هذا ما ليس منه فهو رد) أي: فهو مردود، وقوله: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) .