للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

ذهب الجمهور إلى جواز إدخال المجانين والصبيان المساجد، وحملوا النهي على الكراهة فيمَن لا يميز ولا يُؤمن منه العبث والقذر، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف له القرائن التالية:

القرينة الأولى: ورود النص، وفيها فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- خلاف النهي:

وذلك في حديث أبي قتادة وحديث أبي هريرة -رضي الله عنهما-: حَمَل أمامة والحسن والحسين في الصلاة، فكان فِعله بياناً للجواز.

قال النووي -رحمه الله-: «يُكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد؛ لأنه لا يُؤمن تلويثهم إياه، ولا يحرم ذلك لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى حاملاً أمامة بنت زينب -رضي الله عنهما-، وطاف على بعيره، ولا ينفي هذا الكراهة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- فَعَله لبيان الجواز» (١).

القرينة الثانية: ضعف حديث النهي:

حيث حُمل النهي على الكراهة والتنزيه لضعف الحديث: فقد أشار إلى ذلك صاحب (نيل الأوطار)؛ حيث ذكر تعارُض حديث النهي -وهو ضعيف- مع أحاديث الجواز الصحيحة، ثم قال: «فيُجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتجنيب على الندب، أو بأنها تنزه المساجد عمن لا يُؤمن حَدَثُه فيها» (٢).

قال ابن مفلح -رحمه الله- في بيان أن الخبر الضعيف يُستدل به على الكراهة: «وكأن الأخبار لضعفها لا تنهض للتحريم وإن كانت تقتضيه، فيُستدل بها على الكراهة كما يُستدل بخبر ضعيف ظاهره يقتضي وجوب أمر على ندبية ذلك الأمر، ولا يُقال: لعل هناك صارفاً عن مقتضى الدليل ولم يُذكر؛ لأنه خلاف الظاهر» (٣).

الحكم على القرينة:

القرينة النصية من أقوى القرائن الصارفة للنهي عن التحريم؛ لقوتها في أصلها،


(١) المجموع (٢/ ١٧٦).
(٢) (٢/ ١٤٤).
(٣) النكت والفوائد السنية (١/ ١١٠).

<<  <   >  >>