للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: أنواع القرائن الصارفة للنهي عن التحريم]

اتفق جمهور الأصوليين والفقهاء على أن الأصل في صيغة النهي -إذا تجردت عن القرائن- أنها تُحمل على ظاهرها وهو التحريم، فإن احتفت بها القرائن المعتبَرة الصحيحة الصالحة لصرف النهي عن التحريم، فإنه يلزم حَمْلها على ما دلت عليه القرينة الصارفة من الكراهة أو غيرها من المعاني التي يمكن أن ترد لها (١).

والباحث في كتب العلماء المتقدمين يلمس الجهود الكبيرة في العناية بالقرائن وبيان أثرها والاستفادة منها في فهم دلالات الأدلة الشرعية والمراد منها؛ لاستنباط الأحكام، لكنهم لم يفصِّلوا الكلام عنها، ولا أفردوا لها مبحثاً مستقلاً خاصاً، ولكنها منثورة ومفصَّلة في كتب الفقه وشروح الأحاديث، فيما يذكرونه من أدلة وشواهد وعلل ومناسبات في ثنايا المسائل الفقهية والأحاديث التي تطرَّقوا لشرحها (٢).

وقد أشار الإمام الشافعي -رحمه الله- إلى بعض هذه القرائن الصارفة، حيث يقول: «أصل النهي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كل ما نهى عنه فهو محرم، حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه لمعنى غير التحريم: إما أراد به نهياً عن بعض الأمور دون بعض، وإما أراد به النهي للتنزيه عن المنهي والأدب والاختيار.

ولا نفرق بين نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بدلالة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أمر لم يختلف فيه المسلمون، فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنة، وقد يمكن أن يجهلها بعضهم» (٣).

والقرائن لها أنواع كثيرة وتقسيمات متعددة بحسب اختلاف الاعتبارات، نجدها منثورة في كتب الفقه وأصول الفقه.

وفيما يلي: بيان طائفة مما ذكره العلماء من القرائن الصارفة للنهي عن التحريم (٤):


(١) يُنظر: اللمع (ص: ٢٤)، التمهيد في أصول الفقه (١/ ٣٦٢)، الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (٢/ ١٨٧)، المسودة (ص: ٨٠)، البحر المحيط (٣/ ٣٦٦).
(٢) يُنظر: القرائن عند الأصوليين (٢/ ٦٧٩).
(٣) الأم (٧/ ٣٠٥).
(٤) هذه القرائن مستفادة باختصار من: القرائن عند الأصوليين (٢/ ٧٢٦ ومابعدها)، وبحث بعنوان: القرائن الصارفة للأوامر والنواهي عن حقيقتها، للباحث/ مجدي حسن أبي الفضل، وإضافة بعض القرائن التي ذكرها أهل العلم وكشف عنها البحث في الفروع الفقهية، مع التوثيق بما تيسر من أقوالهم.

<<  <   >  >>