للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وأما الحكمة في غسل اليد: ففيها ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه خوف نجاسة تكون على اليد، مثل: مرور يده موضع الاستجمار مع العرق أو على زبلة ونحو ذلك. والثاني: أنه تعبد ولا يُعقل معناه. والثالث: أنه من مبيت يده ملامسة للشيطان كما في الصحيحين عن أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ -أُرَاهُ أَحَدُكُمْ- مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ)) (١)، فأمر بالغسل معللاً بمبيت الشيطان على خيشومه، فعُلم أن ذلك سبب للغسل عن النجاسة والحديث معروف.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) يمكن أن يُراد به ذلك، فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار» (٢).

الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- القول بكراهة غمْس يد القائم من نوم ليل أو نهار في الإناء قبل غسلها، وهو قول الجمهور.

أسباب الترجيح:

١ - موافقة هذا القول لآية صفة الوضوء.

٢ - قوة أدلة الجمهور، وأن القرائن المصاحبة للنهي مؤثرة في القول بالكراهة.

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

حمل الجمهور النهي في هذه المسألة على الكراهة، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف له: القرائن التالية:

[القرينة الأولى: ورود النص بالتعليل بما يقتضي عدم التحريم.]

وهو ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)، فهذه العلة تفيد الشك، والقواعد تقتضي أن الشك لا يقتضي وجوباً في الحكم (٣).


(١) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (٤/ ١٢٦) برقم: (٣٢٩٥)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الإيتار فِي الاستنثار والاستجمار (١/ ٢١٢) برقم: (٢٣٨).
(٢) مجموع الفتاوى (٢١/ ٤٤).
(٣) يُنظر: بدائع الصنائع (١/ ٢٠)، إحكام الأحكام (١/ ٦٩).

<<  <   >  >>