للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد عرض الأقوال وأدلتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- القول الأول القائل باستحباب رد المصلي السلام إشارةً.

قال النووي -رحمه الله-: «مذهبنا: لا يجوز أن يَرُد باللفظ في الصلاة، وأنه لا يجب عليه الرد، لكن يُستحب أن يَرُد في الحال إشارةً، وإلا فبعد السلام لفظاً، وبهذا قال … جمهور العلماء، نقله الخطابي عن أكثر العلماء» (١).

أسباب الترجيح:

١ - أنه القول الذي تؤيده كثرة الروايات التي تثبت رده -صلى الله عليه وسلم- إشارةً.

٢ - قوة أدلته، وإمكان الرد على مناقشة المخالف.

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

تبيَّن فيما سبق أن الحنفية حملوا النهي على الكراهة، والذي يظهر من كلامهم أن الصارف للنهي القرائن التالية:

القرينة الأولى: ورود النص، وفيه فِعله -صلى الله عليه وسلم- للمنهي عنه.

أن ما جاء في حديثي صهيب وابن عمر من رده -صلى الله عليه وسلم- على المسلِّم إشارةً بيده: قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة؛ لأن فِعله كان بياناً للجواز.

جاء في (حاشية الطحطاوي): «أنها كراهة تنزيه، وفِعله -صلى الله عليه وسلم- إنما كان تعليماً للجواز، فلا يُوصف بالكراهة» (٢).

القرينة الثانية: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

أشار فقهاء الحنفية إلى أن كراهة الرد إشارةً هو من باب الأدب والتنزيه؛ وذلك أن فيه شغلاً في الصلاة يُنافي أدب الوقوف بين يدي الله -عز وجل- ومناجاته، والنهي في باب الأدب محمول على الكراهة (٣).

قال ابن عابدين -رحمه الله-: « … مكروه: أي: تنزيهاً، وفَعَله -عليه الصلاة والسلام- لتعليم الجواز، فلا يُوصف


(١) المجموع (٤/ ١٠٤).
(٢) (ص: ٣٢٢).
(٣) يُنظر: التحبير شرح التحرير (٥/ ٢٢٨١)، الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية (ص: ٣٢٣).

<<  <   >  >>