للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمراد بالنهي ها هنا: نفي الإيجاب لا التحريم (١)؛ لأنه وقع جواباً لسؤال قصد به السائل معرفة إن كان لحم الغنم ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب بنفي الوجوب.

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

تبين فيما سبق أن الفقهاء حملوا النهي عن الوضوء من أكل لحم الغنم على نفي الإيجاب، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف له عن التحريم القرائن التالية:

القرينة الأولى: الإجماع.

إجماع العلماء على أنه لا يجب الوضوء مما مست النار، قرينة تدل على أن النهي ليس للتحريم.

القرينة الثانية: ورود النهي في جواب سؤال بحسب قصد السائل.

وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تتوضؤوا منها) في جواب السؤال، قال ابن قدامة -رحمه الله-: «المراد بالنهي ها هنا نفي الإيجاب لا التحريم» (٢).

وقال ابن تيمية -رحمه الله-: «والنهي في لحم الغنم إنما أفاد نفي الإيجاب، فيجب أن يكون في لحم الإبل مفيداً للإيجاب؛ ليحصل الفرق» (٣).

وجاء في (الغيث الهامع): «أما النهي بعد الاستئذان: فهو مرتب على ما فُهم من السؤال من إيجاب وندب وإرشاد وإباحة؛ لأن أصله الاستفهام عن الخبر، وجوابه أيضاً خبر، … ومن أمثلته: حديث: سُئل عن لحوم الغنم فقال: (لا توضؤوا منها) والظاهر أن السؤال فيه عن الوجوب، فيكون معنى الجواب: لا يجب الوضوء منها، والله أعلم» (٤).

الحكم على القرينة:

قرينة الإجماع من أقوى القرائن المعتبرة الصالحة لصرف النهي عن مقتضاه التحريم، وقرينة ورود النهي في جواب السؤال قرينة حال صارفة، وقد اعتضدت بقرينة الإجماع، والله تعالى أعلم بالصواب.


(١) عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار (٢/ ٦٣٧)، المغني (١/ ١٣٩).
(٢) المغني (١/ ١٣٩).
(٣) شرح العمدة -كتاب الطهارة (ص: ٣٣٣).
(٤) الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص: ٢٤٦).

<<  <   >  >>