للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-صلى الله عليه وسلم- دليلاً على أن الوضوء من لحم الغنم ليس بواجب، وأن تَرْكه الوضوء منها دليل على نسخ ما سبق من الأمر بالوضوء مما مست النار.

الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: ((كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) (١).

وجه الاستدلال: أن حديث جابر فيه بيان أن آخر الأمرين -أي: من الوضوء مما مسته النار أو ترْكه- من فِعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو ترك الوضوء، فاستُفيد منه نسخ الأحاديث التي أفادت وجوب الوضوء مما مست النار: كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تَوَضَّؤوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) (٢)، وهوعام يدخل فيه لحم الغنم (٣)، ومما يدل على النسخ عمل الخلفاء الراشدين بترك الوضوء مما مست النار (٤).

الدليل الخامس: عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: ((سُئِلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوءِ من لُحومِ الإبلِ، فقال: تَوضَّؤوا منها، وسُئِلَ عن لُحوم الغَنَم، فقال: لا توضَّؤوا منها، وسُئِلَ عن الصلاة في مَبَارِكِ الإبلِ، فقال: لا تُصَلُّوا في مَبَارِكِ الإبل؛ فإنَّها مِنَ الشَّياطين، وسُئِلَ عن الصَّلاة في مَرَابِضِ الغَنَم، فقال: صَلُّوا فيها؛ فإنَّها بَرَكةٌ)) (٥) (٦).

وجه الاستدلال: أجاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنهي عن الوضوء من أكل لحم الغنم،


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار (١/ ١٣٧) برقم: (١٩٢)، والنسائي في السنن الصغرى، كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء مما غيرت النار (١/ ١٠٨) برقم: (١٨٥). صححه ابن خزيمة (١/ ٦٨) برقم: (٤٣)، وابن حبان (٣/ ٤١٦) برقم: (١١٤٣)، وقال النووي في (المنهاج) (٤/ ٤٣): «حديث صحيح: رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن بأسانيدهم الصحيحة».
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب الوضوء مما مست النار (١/ ٢٧٢) برقم: (٣٥٢).
(٣) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (١/ ٣١٤)، المنهاج شرح صحيح مسلم (٤/ ٤٣)، شرح أبي داود، للعيني (١/ ٤٤٦).
(٤) يُنظر: الاستذكار (١/ ١٧٥)، المنهاج شرح صحيح مسلم (٤/ ٤٣).
(٥) سبق تخريجه ص: (١٨١).
(٦) استدل به الحنابلة على مسألة الوضوء من لحوم الإبل، وحملوا النهي عن الوضوء من لحوم الغنم على نفي الوجوب، أما الجمهور: فلم يستدلوا به في هذه المسألة؛ لأن منهم مَنْ حمل الوضوء فيه على الوضوء اللغوي، ومنهم مَنْ حمله على الوضوء الشرعي، وقالوا بنسخ الحديث، وأجاب الحنابلة عن هذه الأوجه. يُنظر: الحاوي الكبير (١/ ٢٠٦)، كشاف القناع (١/ ١٣٠).

<<  <   >  >>