للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فارساً إلى الشعب من الليل يحرس (١).

وجه الاستدلال من الحديثين: أن حكاية فِعله -صلى الله عليه وسلم- وأنه كان يلتفت في صلاته لمصلحة، دليل على أن الالتفات في الصلاة للحاجة غير مفسد لها، ولا مكروه فيها (٢).

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

تبيَّن فيما سبق أن الفقهاء حملوا النهي على الكراهة لا التحريم، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف للنهي القرائن التالية:

القرينة الأولى: المقصد من النهي.

أن مقصود النهي: التنفير من هذه الفِعلة القبيحة؛ لأنها من اختلاس الشيطان، ولما فيها من مشابهة الحيوان، ولأنها تؤثر على حضور القلب في الصلاة، فتنقص من الخشوع، فينقص بذلك كمال الصلاة ولا يبطلها؛ لأن الخشوع سنة باتفاق الفقهاء (٣).

قال ابن بطال -رحمه الله-: «فيه حضٌّ على إحضار المصلي ذهنه ونيته؛ لمناجاته ربه، ولا يشتغل بأمر دنياه» (٤).

وقال الشوكاني -رحمه الله-: «والحكمة في التنفير عنه ما فيه من: نقص الخشوع، والإعراض عن الله تعالى، وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان» (٥).

القرينة الثانية: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

أن كراهة الالتفات في الصلاة؛ للتنزيه عما لا يليق من الهيئات، وإرشاد


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرخصة في ذلك (٢/ ١٨٢) برقم: (٩١٦)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب السير، فضل الحرس (٨/ ١٤٠) برقم: (٨٨١٩) وذكر قصة الحديث، والحاكم (٢/ ٩٣) برقم: (٢٤٣٣) وقال: «هذا الإسناد من أوله إلى آخره صحيح على شرط الشيخين غير أنهما لم يخرجا مسانيد سهل بن الحنظلية؛ لقلة رواية التابعين عنه، وهو من كبار الصحابة»، صححه ابن خزيمة (١/ ٢٧٥) برقم: (٤٨٧).
(٢) يُنظر: إكمال المعلم (٢/ ٣١٦)، المفاتيح في شرح المصابيح (٦/ ٢٦٧)، فتح الباري، لابن رجب (٦/ ٤٤٩).
(٣) اتفق الفقهاء على أن الخشوع سنة. يُنظر: البحر الرائق (٢/ ١٥)، حاشية الطحطاوي (ص: ٣٤١)، الذخيرة (٢/ ٢٣٥)، نهاية المحتاج (١/ ٥٤٧)، الفروع (٢/ ٢٥١)، كشاف القناع (١/ ٣٩٢). وحكاه النووي -رحمه الله- إجماعاً، حيث يقول: «أجمع العلماء على استحباب: الخشوع والخضوع في الصلاة، وغض البصر عما يلهي، وكراهة الالتفات في الصلاة». المجموع (٣/ ٣١٤).
(٤) شرح صحيح البخاري (٢/ ٣٦٥).
(٥) نيل الأوطار (٢/ ٣٨٥).

<<  <   >  >>