للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يُكره في غير حالة الصلاة، فلا تنافيَ بينهم، ويؤيد كراهته مطلقاً كونه من الشيطان (١).

جاء في (فتح الباري) لابن حجر: «ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة، وإنما خص الصلاة؛ لأنها أولى الأحوال بدفعه؛ لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخِلقة» (٢).

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

الذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف للنهي عن التحريم القرائن التالية:

القرينة الأولى: ورود النص بالتعليل في الحديث نفسه.

وذلك أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ)، وقوله: (وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ) أفاد تعليل النهي عن التثاؤب.

جاء في (الآداب الشرعية): «العطاس يدل على خفة بدن ونشاط، والتثاؤب غالباً لثقل البدن وامتلائه واسترخائه، فيميل إلى الكسل، فأضافه إلى الشيطان؛ لأنه يرضيه أو من تسببه لدعائه إلى الشهوات» (٣).

وقوله: (ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) فيه إشارة إلى ذم التثاؤب وكراهة التمادي فيه؛ لئلا يبلغ الشيطان مراده.

قال ابن الجوزي -رحمه الله- (٤): «وإنما يضحك الشيطان من قول المتثائب: ها؛ لمعنيين: أحدهما: أنه يرى ثمرة تحريضه على الشبع، فيضحك فرحاً بأن أثمرت شجرات غرسه. والثاني: أن المسنون للمتثائب أن يكظم ويحبس ما استطاع، فإذا ترك الأدب وقال: ها، ضحك الشيطان؛ لقلة أدبه» (٥).


(١) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٦١٢)، حاشية ابن عابدين (١/ ٦٤٥).
(٢) (١٠/ ٦١٢). نقلاً عن ابن العربي.
(٣) (٢/ ٣٣٥).
(٤) هو: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج الإمام الحافظ المؤرخ الواعظ الكبير، وُلد ببغداد سنة ٥١١ هـ، نبغ في مختلف فروع العلم، وبلغ في صناعة الوعظ شهرة عمت الآفاق، صنف في فنون عديدة، وله نحو أربعمائة مصنف، منها: «المنتظم في تاريخ الأمم» و «زاد المسير في علم التفسير» و «كشف المشكل من حديث الصحيحين» و «أخبار الأذكياء»، وغير ذلك من المصنفات المختلفة ذات النفع العظيم، تُوفي سنة ٥٩٧ هـ. يُنظر: وفيات الأعيان (٣/ ١٤٠)، شذرات الذهب (١/ ٤٨).
(٥) كشف المشكل من حديث الصحيحين (٣/ ٥٣٠).

<<  <   >  >>