للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرينة الثانية: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

أشار العلماء إلى أن كراهة التثاؤب وكراهة التمادي فيه إنما هو أدب من الآداب، والنهي في باب الأدب يُحمل على الكراهة (١).

قال القرطبي -رحمه الله-: « … وكل هذا يشعر بكراهة التثاؤب، وكراهة حالة المتثائب إذا لم يكظم، وأوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى محاسن الأحوال، ومكارم الآداب» (٢).

ومما ذكره العلماء من علل النهي:

قيل: أن التثاؤب دون كظمه أو تغطية الفم يُعد من سوء الأدب المخالف لآداب العشرة والمحادثة بين الناس، وأشد منه حين تكون في الصلاة ومناجاة الرب سبحانه؛ فلذا نُهي عن التمادي فيه، وأُمر بكظمه أو تغطية الفم (٣).

جاء في (الآداب الشرعية): «مَنْ تثاءب كظم ما استطاع؛ للخبر، وأمسك يده على فمه أو غطاه بكمه أو غيره إن غلب عليه التثاؤب، … ويُكره إظهاره بين الناس مع القدرة على كفه، وإن احتاجه تأخَّر عن الناس وفَعَله» (٤).

وقيل: أنه من التكاسل والامتلاء (٥).

وقيل: أنه مخل بمعنى الخشوع إن كان في الصلاة (٦).

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: «إن قال قائل: ليس العطاس داخلاً تحت الكسب ولا التثاؤب، فما حيلة العبد في تحصيل المحبوب ونفي المكروه؟ فالجواب: أن العطاس إنما يكون مع انفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات، وسبب هذه الأشياء تخفيف الغذاء والتقلل من المطعم، فأما التثاؤب: فإنه يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه للنوم، فحَمد العطاس؛ لأنه يعين على الطاعة، وذَمَّ التثاؤب؛ لأنه يثبط عن الخير» (٧).

الحكم على القرينة:


(١) يُنظر: التحبير شرح التحرير (٥/ ٢٢٨١)، الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية (ص: ٣٢٣).
(٢) المفهم (٦/ ٦٢٦). ويُنظر: شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (١٩/ ٢١٣).
(٣) يُنظر: المبسوط، للسرخسي (١/ ٣٩).
(٤) (٢/ ٣٤٧).
(٥) يُنظر: تبيين الحقائق (١/ ١٦٤)
(٦) يُنظر: بدائع الصنائع (١/ ٢١٥).
(٧) كشف المشكل من حديث الصحيحين (٣/ ٥٣٠).

<<  <   >  >>