للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

حمل الفقهاء النهي عن وترين في ليلة على الكراهة، ولعل الصارف له عن التحريم: قرينة فِعل الصحابي للمنهي عنه.

ذلك أن من الصحابة مَنْ رأى جواز نقض الوتر (١)، فكان إذا أوتر من الليل، ثم قام للتهجد، يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعاً، ثم يتهجد ما شاء، ثم يعيد وتره؛ ليقع الوتر آخر صلاته (٢).

نُقل أن: ((عثمان بن عفان نقض وتره، وأعاده بعد تهجده، ونُقل مثله عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وغيرهم)) (٣)، فدل فِعلهم -رضوان الله عليهم- على أنهم فهموا أن النهي ليس للتحريم، فيكون ذلك قرينة صارفة.

ولعل هذا ما أشار إليه الإمام أحمد -رحمه الله-؛ حيث: «قيل لأحمد: ولا ترى نقض الوتر؟ فقال: لا، ثم قال: وإن ذهب إليه رجل فأرجو؛ لأنه قد فعله جماعة» (٤).

الحكم على القرينة:

الذي يظهر أن نقض الصحابي للوتر قرينة معتبرة لحمل النهي على الكراهة؛ إذ الصحابة هم نقلة الشريعة؛ لأنهم عاصروا التنزيل، وشاهدوا أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقواله وأفعاله، فكانوا أفهم لمراد خطابه، والله أعلم.


(١) يُنظر: بداية المجتهد (١/ ٢١٤)، بحر المذهب، للروياني (٢/ ٢٣٩).
(٢) قال ابن عبد البر -رحمه الله- في الاستذكار (٢/ ١١٨): «محال أن يشفع ركعة قد سلم منها، ونام مصليها، وتراخى الأمر فيها، وقد كتبها الملَك الحافظ وتراً، فكيف تعود شفعاً؟ هذا ما لا يصح في قياس ولا نظر، والله أعلم».
(٣) أخرجه ابن المنذر في (الأوسط) (٥/ ١٩٦)، ويُنظر: المغني (٢/ ١٢٠).
(٤) المغني (٢/ ١٢٠).

<<  <   >  >>