للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حمله على الكراهة والتنزيه.

مثاله: استعمال قاعدة سد الذرائع قرينةً لحمل النهي على غير التحريم في مسألة النهي عن تخليل الخمر.

جاء في (التبصرة): «ومحمل الحديث أن ذلك حمايةٌ؛ لئلا يتذرَّع الناس إلى شُربها، وليس أنَّها تكون حراماً إن فعل» (١).

[العاشر: القياس]

عمل بعض الفقهاء بالقياس في صرف النهي عن التحريم. ولا يكون الصرف به في مقام الاستقلال به وحده، وإنما في مقام الاعتضاد مع غيره من القرائن.

من ذلك: القياس المعارض لحمل النهي على التحريم: قياس تخليل الخمر على دباغ جلد الميتة؛ بجامع أنهما استصلاح لفساد عارض؛ لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ الدِّبَاغَ يُحِلُّ مِنَ الْمَيْتَةِ كَمَا يُحِلُّ الْخَلُّ مِنَ الْخَمْرِ)) (٢).

فمن الفقهاء مَنْ استدل بالقياس وتأول مفهوم النهي فقال بالإباحة (٣).

[الحادي عشر: ضعف الحديث]

إذا ورد النهي في حديث ضعيف فإن بعض أهل العلم يقيم ضعف الحديث مقام الصارف للنهي عن التحريم.

قال ابن مفلح -رحمه الله- (٤): «وكأن الأخبار لضعفها لا تنهض للتحريم وإن كانت تقتضيه، فيُستدل بها على الكراهة كما يُستدل بخبر ضعيف ظاهره يقتضي وجوب أمر على ندبية ذلك الأمر، ولا يُقال: (لعل هناك صارفاً عن مقتضى الدليل ولم يُذكر)؛ لأنه خلاف


(١) (٤/ ١٦٢٣).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الرهن، باب ذِكر الخبر الذي ورد في خل الخمر (١١/ ٤٤١) برقم: (١١٣١٣)، وضعَّفه؛ لأن في إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف. ويُنظر تضعيفه في: البدر المنير (٦/ ٦٣١)، مجمع الزوائد (١/ ٢١٨).
(٣) يُنظر: بداية المجتهد (٣/ ٢٨).
(٤) هو: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي، وُلد سنة ٧١٠ هـ، نشأ في بيت المقدس، واشتغل في الفقه وبرع فيه إلى الغاية، فكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد ابن حنبل، وصاهر القاضي جمال الدين المرداوي، وناب عنه في الحكم، من تصانيفه: «كتاب الفروع»، «النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر»، «أصول الفقه»، «الآداب الشرعية الكبرى» وغيرها، وتُوفى بصالحية دمشق سنة ٧٦٣ هـ. يُنظر: الدرر الكامنة (٦/ ١٤)، المقصد الأرشد (٢/ ٥١٧)، شذرات الذهب (٨/ ٣٤٠).

<<  <   >  >>