للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنهي عنه:

إذا ثبت فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنهي عنه في بعض الأوقات، فإن ذلك يدل على أنه محمول على الكراهة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- معصوم لا يقع في فِعله محرم، وإن فعل شيئاً وكان مكروها في حقنا، فليس بمكروه منه؛ لأنه إنما يفيد به التشريع وبيان الجواز، ويُشترط له ألا يكون الفعل منه -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الاختصاص به (١).

وقد ذكر العلماء لمسألة: تعارض القول والفعل، أنواعاً متعددة وطُرُقاً لدفع هذا التعارض، منها: جَعْل الفعل بياناً للجواز.

قال الزركشي -رحمه الله-: «للفقهاء في مثل ما مثَّلنا به طريقة أخرى لم يذكرها أهل الأصول هنا، وهي: حمْل الأمر على الندب والنهي على الكراهة، وجَعْل الفعل بياناً لذلك» (٢).

مثاله: ما جاء في حديث حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بال في حال القيام، فهذه قرينة نصية لبيان الجواز وأن النهي ليس للتحريم.

جاء في (فتح الباري): «الأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود» (٣).

الرابع: إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لمَن فعل المنهي عنه:

إذا فعل بعض الصحابة -رضي الله عنهم- المنهيَّ عنه بمحضر من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في عصره، مع علمه بذلك، وإقراره لهم -فإن ذلك قرينة صارفة للنهي عن التحريم إلى الكراهة؛ لأن هذا المنهيَّ عنه لو كان محرماً لما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الإنكار على فاعله؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- جاء لبيان الأحكام.

و «لأنه لا يجوز على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرى منكرًا فلا ينكره؛ إذ كان ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وله الحظ الأوفر في ذلك» (٤).

[الخامس: التعليل بما يشعر بعدم التحريم]

أن يُعلل النهي الوارد في النص الشرعي بعلة تُشعِر بحمله على الكراهة والتنزيه، فتُعد هذه العلة قرينة صارفة للنهي عن التحريم عملاً بمقتضاه وتجنباً لإلغائه.


(١) يُنظر: نفائس الأصول (٥/ ٢٢٣٤)، الموافقات (٤/ ١١٧)، تشنيف المسامع (٢/ ٩٠٣).
(٢) البحر المحيط (٦/ ٥٢).
(٣) (١/ ٣٣٠).
(٤) العدة في أصول الفقه (١/ ١٢٧).

<<  <   >  >>