للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النار (١).

قال القرطبي -رحمه الله-: «ثم إنه حصل لعبد الله -رضي الله عنه- من تلك الرؤية يقين مشاهدة النار والاحتراز منها، والتنبيه على أن قيام الليل مما يُتقى به النار، ولذلك لم يترك -رضي الله عنه- قيام الليل بعد ذلك» (٢).

الدليل الرابع: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)) (٣).

وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حضَّ أمته على القصد والمداومة على العمل وإن قل؛ خشية الانقطاع عن العمل الكثير، فكأنه رجوع في فعل الطاعات، وقد ذم الله ذلك (٤)، وقيام الليل من أفضل الطاعات، فينبغي المداومة عليه.

قال النووي -رحمه الله-: «يُستحب لمن أراد قيام الليل ألا يعتاد منه إلا قدراً يغلب على ظنه بقرائن حاله أنه يمكنه الدوام عليه مدة حياته، ويُكره بعد ذلك تركه والنقص منه لغير ضرورة، ودلائل هذا كله في الصحيحين مشهورة» (٥).

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

تبين فيما سبق اتفاق الفقهاء على أن النهي عن ترك قيام الليل محمول على الكراهة لا التحريم، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف للنهي: قرينة المقصد من النهي:

ذكر بعض أهل العلم أن مقصود النهي: الحث والترغيب في ملازمة قيام الليل مع التوسط والقصد، والتحذير من تركه؛ فإن مَنْ دخل في طاعة ثم قطعها بلا عذر، فإنه مذموم؛ لما فيه من الإشعار بالتهاون بالطاعات.

قال ابن حجر -رحمه الله-: «والحاصل من الحديث الترغيب في ملازمة العبادة والطريق


(١) يُنظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (٩/ ٥٤٧)، المفهم (٦/ ٤١٠).
(٢) المفهم (٦/ ٤١٠).
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل (٨/ ٩٨) برقم: (٦٤٦٤)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره (١/ ٥٤١) برقم: (٧٨٣) واللفظ له.
(٤) يُنظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (١٠/ ١٧٩)، الكواكب الدراري (٢٢/ ٢٢٤).
(٥) المجموع (٤/ ٤٦).

<<  <   >  >>