للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: اتفق الفقهاء (١) على كراهة ترك قيام الليل لمن اعتاده بلا عذر.

قال ابن المنذر -رحمه الله-: «قيام الليل مستحب، ومكروه ترْكُه» (٢).

الأدلة:

الدليل الأول: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (٣).

وجه الاستدلال: امتدح الله تعالى عباده الصالحين، وذكر من أوصافهم: أنهم يبيتون ليلهم يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام، ثم ذكر أن جزاءهم التنعم في غرف الجنة (٤)، وفي ذلك الترغيب في المداومة على قيام الليل وعدم تركه.

الدليل الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ)) (٥).

وجه الاستدلال: أن الحديث فيه النهي عن مشابهة تارك قيام الليل بعد أن كان يقومه؛ ذماً لحاله، وذلك إشارة إلى كراهة ترك القيام وقطع العبادة وإن لم تكن واجبة، ولو كان القيام واجباً وتركه محرماً لبالغ في النهي، وشدَّد في الذم على تاركه (٦).

الدليل الثالث: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ)) (٧).

وجه الاستدلال: في الحديث أن مَنْ يقوم الليل ممدوح؛ لما هو عليه من الخير، وفي ذلك ترغيب إلى المحافظة على قيام الليل؛ لفضيلته، وكراهة تركه، وأنه مما يُتقى به


(١) يُنظر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٢٥)، شرح ابن ناجي (١/ ١٦٤)، مواهب الجليل (١/ ٤١٧)، الإقناع، للشربيني (١/ ١١٧)، المجموع (٤/ ٤٦)، المغني (٢/ ١٠٤)، الشرح الكبير (٤/ ١٩٧).
(٢) الإقناع (١/ ١٣٨).
(٣) سورة الفرقان: آية (٦٤).
(٤) يُنظر: تفسير الطبري (١٩/ ٢٩٦).
(٥) سبق تخريجه: ص (٤٧٧).
(٦) يُنظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٩/ ١٢٥)، عمدة القاري (٧/ ٢١٠)، فتح الباري، لابن حجر (٣/ ٣٨).
(٧) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب فضل قيام الليل (٢/ ٤٩) برقم: (١١٢٢)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، باب من فضائل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (٤/ ١٩٢٧) برقم: (٢٤٧٩)، وفي الحديث قصة رؤيا لعبد الله بن عمر، فكان ما قاله -صلى الله عليه وسلم- تأويلاً لتلك الرؤيا.

<<  <   >  >>