للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

لعل الصارف للنهي عن التحريم هي القرائن التالية:

القرينة الأولى: قرينة نصية بينت علة النهي.

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الجلوس في الصلاة بهذه الهيئة، وعلل بأنها تشبه جلسة الذين يعذبون؛ تنفيراً وتنزيهاً للمصلي عن مشابهتهم، وذلك في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلًا سَاقِطاً يَدَهُ (١) فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا تَجْلِسْ هَكَذَا، إِنَّمَا هَذِهِ جِلْسَةُ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ)) (٢).

القرينة الثانية: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

لم ينص فقهاء الحنابلة على صارف النهي عن التحريم، في حين أن ذِكرهم للمسألة في باب مكروهات الصلاة، وإطلاق الكراهة عليها يشير إلى أن النهي جاء في باب الأدب والإرشاد؛ إذ إطلاق الكراهة عند الحنابلة ينصرف إلى التنزيه (٣).

فالنهي أُريد به المحافظة على أدب الصلاة وهيئتها المشروعة، والتنزيه عما لا يليق بها من الهيئات، والنهي في باب الأدب والإرشاد محمول على الكراهة (٤).

والعلة من النهي:

١ - أن الجلوس مع الاعتماد باليدين على الأرض تشبه هيئة وجلوس المعذبين؛ فيكره تنزيهاً عن مشابهتهم.

قال العيني -رحمه الله-: « … لأنه يشبه جلوس المعذبين» (٥).

٢ - ويمكن أن يكون من المعنى أيضاً: ما في الاعتماد على اليد من هيئة الكسل التي تُنزه عنها الصلاة.


(١) ساقطا يده في الصلاة: أي يتكاء على يده اليُسرى وهو قاعِد في الصلاة. جاءت مفسرة بذلك في رواية أبي داود.
(٢) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة (٢/ ٢٣٦) برقم: (٩٩٤) موقوفاً، وأحمد (١٠/ ١٨٠) برقم: (٥٩٧٢) مرفوعاً واللفظ له، وأخرجه الحاكم (١/ ٤٠٦) برقم: (١٠٠٧) ولفظه: ((أن النبي نهى رجلا وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة، فقال: إنها صلاة اليهود)) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»، قال الألباني: في (إرواء الغليل) (٢/ ١٠٣): «هذا إسناد جيد على شرط مسلم».
(٣) يُنظر: شرح مختصر الروضة (١/ ٣٨٥)، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، لابن بدران (ص: ١٥٥).
(٤) يُنظر: التحبير شرح التحرير (٥/ ٢٢٨١)، الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية (ص: ٣٢٣).
(٥) شرح أبي داود (٤/ ٢٧٦).

<<  <   >  >>