للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

أصحاب القول الثاني حملوا الأمر الوارد في المسألة على الاستحباب، والنهي على تأكيد الاستحباب؛ بدليل القرائن التالية:

القرينة الأولى: ورود النص بعدم الحرج في ترك المأمور به.

وذلك في قوله: (ومن لا فلا حرج)، فكانت قرينة على أن الأمر ليس للوجوب.

القرينة الثانية: فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الدالُّ على جواز الاقتصار على ما دون الثلاث.

وهو ما جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.

جاء في (البحر الرائق): «يُحمل على الاستحباب بدليل: أنه لما أتى له -عليه السلام- بحجرين وروثة ألقى الروثة، واقتصر على الحجرين» (١).

الحكم على القرينة:

قرينة رفع الحرج عند ترك الامتثال لمقتضى الأمر أو النهي، قرينة معتبرة صارفة؛ لدلالتها على أن الأمر ليس للوجوب والنهي ليس للتحريم، لكن الفقهاء اختلفوا في المراد بالأمر بالإيتار في الحديث: هل يراد به على ما زاد عن الثلاث أو يراد به الإيتار على العموم فيدخل فيه الواحد فهو وتر حقيقة، فالذي يظهر أن هذا الخلاف يُضعِف هذه القرينة.

وفِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- قرينة نصية، وتكون معتبرة لصرف النهي عن مقتضاه إن ثبتت دلالتها، والذي يظهر أنها مجرد احتمال يقابله احتمالات أخرى، وبسبب الاحتمال تضعف هذه القرينة كذلك.

وعليه: فتبقى دلالة النهي على مقتضاه وهو تحريم الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار، ويؤكد التحريم: النص على الثلاث في أحاديث عدة، والله أعلم.


(١) البحر الرائق (١/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>