للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الرابع:

النهي عن الالتفات في الصلاة

[المطلب الأول: حكم الالتفات في الصلاة]

دليل النهي:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِثَلَاثٍ، وَنَهَانِي عَنْ ثَلَاثٍ: أَمَرَنِي بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى كُلَّ يَوْمٍ، وَالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَنَهَانِي عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ (١)، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ (٢)، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ)) (٣).

صورة المسألة:

هل يجوز للمصلي أن يلتفت في صلاته يميناً ويساراً بوجهه وجسده ما لم يصِل إلى الاستدبار؟

تحرير محل النزاع:

أولاً: أجمع العلماء (٤) على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، وأن المصلي إذا التفت بجميع بدنه أو استدبر القبلة بطلت صلاته؛ لفوات الشرط.

لقوله -عز وجل-: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (٥).

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: «أجمع العلماء أن القبلة التي أمر الله نبيه وعباده بالتوجه نحوها في صلاتهم هي الكعبة -البيت الحرام بمكة- وأنه فَرْضٌ على كل مَنْ شاهدها وعاينها استقبالُها، وأنه إن ترك استقباله وهو معاين لها أو عالم بجهتها، فلا صلاة له،


(١) نَقْرَة الديك: وفي حديث آخر: نقرة الغراب: يريد: تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله، والمراد: النهي عن ترك الطمأنينة في الصلاة. يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ١٠٤)، لسان العرب (٥/ ٢٢٨)، نيل الأوطار (٢/ ٣٢٠).
(٢) الإِقْعَاء: من أقعى يُقعي إقعاء، وأقعى الكلب إذا جلس على إسته مفترشاً رجليه وناصباً يديه. يُنظر: الصحاح (٦/ ٢٤٦٥)، لسان العرب (١٥/ ١٩٢). وله أنواع، سيأتي تفسيرها لاحقاً في مبحث النهي عن الإقعاء.
(٣) أخرجه أحمد (١٣/ ٤٦٨) برقم: (٨١٠٦)، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (٢/ ٨٠): «إسناد أحمد حسن»، الشطر الأول من الحديث صحيح؛ فهو عند البخاري (٢/ ٥٨) برقم: (١١٧٨)، وعند مسلم (١/ ٤٩٩) برقم: (٧٢١). وللنهي عن الالتفات شاهد عند البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وشاهد من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- عند أبي داود.
(٤) نقل الإجماع: ابن عبد البر في (التمهيد) (١٧/ ٥٤)، وابن رشد في (بداية المجتهد) (١/ ١١٨)، والنووي في (المجموع) (٣/ ١٨٩).
(٥) سورة البقرة: جزء من الآية (١٤٩).

<<  <   >  >>