للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الركوع والسجود والتشهد بإجماع الأئمة الأربعة» (١).

الأدلة: استدلوا بحديثي ابن عباس وعلي -رضي الله عنهم-.

وجه الاستدلال: في الحديث نهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، والنهي محمول على الكراهة والتنزيه؛ لأن الركوع والسجود ليسا محلاً للقراءة (٢)، والنهي عام للأمة؛ لأن أمْر الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم- أمرٌ للأمة ما لم يوجد تخصيص (٣)، ويدل على عدم التخصيص هنا أنه -صلى الله عليه وسلم- خاطب أمته بعدها، فأمرهم بالتعظيم للرب في الركوع وبالدعاء في السجود، فدل ذلك أن الأمة داخلون معه في خطاب النهي (٤).

وكذلك يدل حديث علي -رضي الله عنه- على عدم التخصيص وعموم النهي للأمة؛ فخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد أمته هو خطاب للأمة (٥).

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

الذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف للنهي عن التحريم القرائن التالية:

القرينة الأولى: المقصد من النهي.

سياق الحديث يشير إلى أن المقصد من النهي تعظيم القرآن الكريم وبيان مكانته، وأنه لا يُقرأ في موضع الخضوع والتذلل.

قال العيني -رحمه الله-: «فإن قيل: ما الحكمة من النهي عن القراءة في حالتي الركوع والسجود؟ قلت: الذي يلوح لنا في هذا المقام هو أن النبي -رحمه الله- أخبر الأمة عن انقطاع الوحي بوفاته، وعزَّاهم عن مبشرات النبوة، ثم نبههم على جلالة قدْرها بما هو تارك فيهم من الوحي المنزل - وهو الكتاب العزيز الذي لم يُؤتَ نبي مثله- بقرينة مستكنة في صيغة النهي.

وذلك أن الركوع والسجود من باب الخضوع وأمارات التذلل من العباد لجلال وجه الله الكريم، فنهى أن يُقرأ الكتاب الكريم الذي عظم شأنه، وارتفع محله عند هيئة موضوعة


(١) تبيين الحقائق (١/ ١١٥)، ويُنظر: حاشية الطحطاوي (ص: ٢٨٢)، حاشية ابن عابدين (١/ ٥٢٣).
(٢) يُنظر: شرح المصابيح (٢/ ٨)، أسنى المطالب (١/ ١٥٧).
(٣) يُنظر: العدة (١/ ٣١٨)، المسودة (ص: ٣١)، روضة الناظر (١/ ٥٨٦).
(٤) يُنظر: شرح المشكاة، للطيبي (٣/ ١٠١٥).
(٥) يُنظر: قواطع الأدلة (١/ ٢٢٨)، الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (٢/ ٢٦٣).

<<  <   >  >>