للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يكونُ قَوْمٌ يخضِبُونَ في آخِرِ الزَّمانِ بالسَّواد كحَواصِلِ الحَمَامِ، لا يَرِيحُون رائِحةَ الجنَّة)) (١).

وجه الاستدلال: أن الحديث يدل على تحريم الصبغ بالسواد (٢)؛ لورود الوعيد الشديد بقوله: (لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)، ولا يكون ذلك إلا على محرم.

نوقش: أنه خلاف ما يتبادر من سياق الحديث، وأن ترتيب الحكم على الوصف مُشعِر بأنه علة الحكم، وقد وصف القوم المذكورين بأنهم يخضِبون بالسواد (٣).

سبب الخلاف:

سبب اختلاف الفقهاء هو تعارض ظاهر الأحاديث والآثار.

الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها تبين أن القول بالكراهة فيه قوة، وكذلك أدلة القول بالتحريم قوية؛ لذا أتوقف عن الترجيح، والله تعالى أعلم بالصواب.

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

ذهب الجمهور إلى أن النهي يُحمل على الكراهة، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارفَ له القرائنُ التالية:

القرينة الأولى: فِعل الصحابي للمنهي عنه.

ذلك أنه إذا فعل الصحابي المنهي عنه ولم يُنكر عليه، فإن ذلك يُعد قرينة على أن النهي ليس للتحريم.

القرينة الثانية: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

قال النووي -رحمه الله-: « … وظاهر عباراتهم أنه كراهة تنزيه» (٤).

جاء في (الفواكه الدواني): «(ويُكره صباغ الشعر) الغير الأسود (بالسواد) لغير مقتضى شرعي، ولما كانت الكراهة قد تكون محمولة على التحريم قال: (من غير تحريم)،


(١) سبق تخريجه ص: (١٥٧).
(٢) يُنظر: المجموع (١/ ٢٩٤).
(٣) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٣٥٥)، نيل الأوطار (١/ ١٥٥).
(٤) المجموع (١/ ٢٩٤).

<<  <   >  >>