للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-، وفيه: (فإنه وقتٌ إلى أن تصفر الشمس)، ومعه حديث أنس -رضي الله عنه- في ذمِّ التأخير إلى الاصفرار؛ فهما يعارضان ظاهر حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وفيه: (مَنْ أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، واختلافهم في المقصود من الذم في حديث أنس -رضي الله عنه-.

الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يتبين أن الراجح -والله أعلم- القول الأول القائل بتحريم تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر.

أسباب الترجيح:

١ - أن مَنْ يخالف النهي ويؤخر الصلاة إلى اصفرار الشمس بلا عذر، يكون عاصياً وإن كان مؤدياً.

٢ - أن الحكم بصلاة المنافق لمَن أخَّر إلى الاصفرار يقتضي القول بالتحريم؛ لأن النفاق كله حرام.

[المطلب الثاني: القرينة الصارفة عن التحريم]

ذهب أصحاب القول الثاني إلى أن النهي يُحمل على الكراهة، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن القرينة الصارفة له: المقصد من النهي.

وذلك أن المقصود في حديث أنس -رضي الله عنه- من النهي وذم تأخير الصلاة والتشبيه بصلاة المنافق: التحذير من مشابهة المنافقين في تأخير الصلاة والتهاون فيها.

قال النووي -رحمه الله-: «قوله -صلى الله عليه وسلم-: (تلك صلاة المنافق) فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر» (١).

وقال الشوكاني -رحمه الله- (٢): «في الحديث دليل على كراهة تأخير الصلاة إلى وقت


(١) المنهاج شرح صحيح مسلم (٥/ ١٢٤).
(٢) هو: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، وُلد ببلدة شوكان باليمن سنة ١١٧٣ هـ، ونشأ في صنعاء، وتلقى العلم على شيوخها، وجدَّ في طلبه، فأكثر من المطالعة والحفظ والسماع، فكان مشتغلاً في جميع أوقاته بالعلم درساً وتدريساً وإفتاءً، وكان داعية إلى الإصلاح والتجديد، ترك التقليد، وسلك طريق الاجتهاد، له مؤلفات كثيرة تدل على سعة علمه وسلامة منهجه، منها: «نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار»، «إرشاد الفحول»، «السيل الجرار»، «البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع» وغيرها الكثير، تُوفي بصنعاء سنة ١٢٥٠ هـ. يُنظر: البدر الطالع (٢/ ٢٢٤) لصاحب الترجمة، الأعلام، للزركلي (٦/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>