للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)) (١).

وجه الاستدلال: أن النهي في الحديث محمول على الكراهة لا التحريم؛ بدلالة قرينة التعليل وذِكر العدد: فأما قرينة التعليل: فقوله: (فَإِنَّه لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) تعليل بأمر يقتضي الشك في النجاسة، وطريان الشك على يقين الطهارة لا يؤثر فيها، فلا يجب غسله، وإنما يُستحب (٢)، وأما قرينة العدد: فإن ذِكر العدد في غير النجاسة العينية دليل الندب (٣).

الدليل الثالث: أن الطهارة الواجبة عن الحدث يجزئ فيها غسل اليدين في جملة أعضاء الوضوء بنية الحدث، ويُكتفى لهما بغسلة واحدة (٤).

دليل القول الثاني:

استدلوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتقدم.

وجه الاستدلال:

أن ظاهر الحديث أمر صريح بالغسل قبل إدخاله في الإناء، وفي اللفظ الآخر نهي صريح عن إدخاله قبل الغسل، وأمره -صلى الله عليه وسلم- يقتضي الوجوب، ونهيه يقتضي التحريم، وهو تَعبُّدي غير معقول المعنى، وخُص بنوم الليل؛ لأن المبيت إنما يكون بالليل (٥).

نُوقش: بأن تعليل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمر يقتضي الشك في النجاسة بقوله: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) علة صارفة للنهي عن حقيقته إلى الكراهة، والقواعد تقتضي أن الشك لا يقتضي وجوباً في الحكم، وقوله: (من نوم) يعم نوم الليل والنهار، وإنما ذكر الليل لكونه الغالب (٦).

سبب الاختلاف:

السبب هو اختلافهم في مفهوم علة النهي في الحديث (٧).


(١) سبق تخريجه ص: (٥٩).
(٢) يُنظر: الحاوي الكبير (١/ ١٠٢)، بدائع الصنائع (١/ ٢٠)، المغني (١/ ٧٣)، المجموع (١/ ٣٤٩).
(٣) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١/ ٢٦٤)، سبل السلام (١/ ٦٥).
(٤) يُنظر: شرح العمدة، لابن تيمية -كتاب الطهارة (ص: ١٧٥).
(٥) يُنظر: المغني (١/ ٧٣)، شرح العمدة، لابن تيمية -كتاب الطهارة (ص: ١٧٤).
(٦) يُنظر: بدائع الصنائع (١/ ٢٠)، إحكام الأحكام (١/ ٦٩).
(٧) يُنظر: بداية المجتهد (١/ ١٦).

<<  <   >  >>