للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متوافرون، فلم ينكره منهم أحد (١).

نُوقش: بأن الزيادة في المساجد أو تخريبها؛ لتوسعتها وإعادة بنائها على وجه أصلح من البناء الأول -جائز، وهذا ما فعله عمر وعثمان -رضي الله عنهما- بمشهد من المهاجرين والأنصار، وأقروا عليه (٢).

قال ابن بطال -رحمه الله-: «كان عمر قد فتح الله الدنيا في أيامه، ومكَّنه من المال، فلم يغيِّر المسجد عن بنيانه الذي كان عليه في عهد النبي، ثم جاء الأمر إلى عثمان والمال في زمانه أكثر، فلم يَزِد أن جعل في مكان اللبن حجارة وقصة، وسقَّفه بالسَّاج مكان الجريد، فلم يقصِّر هو وعمر عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما عن الرسول بكراهة ذلك، وليُقتدى بهما في: الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية، والزهد في معالى أمورها، وإيثار البُلغة منها» (٣).

الدليل الرابع: أن فيه: تكثيرَ الجماعة، وتحريض الناس على الاعتكاف في المسجد، والجلوس فيه لانتظار الصلاة، وفي كل ذلك قربة وطاعة، والأعمال بالنيات (٤).

نُوقش من وجهين (٥): الأول: بأن دعوى أنه مرغِّب إلى المسجد فاسدة؛ لأن كونه داعياً إلى المسجد ومرغباً إليه لا يكون إلا لمَن كان غرضُه وغاية قصده النظرَ إلى تلك النقوش والزخرفة، أما مَنْ كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله -التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع، وإلا كانت كجسم بلا روح-: فليست إلا شاغلة عن ذلك.

الثاني: تعليلهم بأنه قربة تعليلٌ مخالف؛ لمقابلته الأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه نوع من المباهاة المحرمة، وأنه من علامات الساعة، وأنه من صنع اليهود والنصارى، والمسلم مأمور بمخالفتهم.

سبب الخلاف:

سبب الخلاف الذي يظهر -والله أعلم- هو اختلافهم في حقيقة إعمار المساجد


(١) يُنظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (٨/ ٥٣٣)، المحيط البرهاني (٥/ ٣١٦).
(٢) يُنظر: فتح الباري، لابن رجب (٣/ ٢٨٧).
(٣) شرح صحيح البخاري (٢/ ٩٧).
(٤) يُنظر: المبسوط، للسرخسي (٣٠/ ٢٨٤)، المحيط البرهاني (٥/ ٣١٦).
(٥) يُنظر: نيل الأوطار (٢/ ١٧٦).

<<  <   >  >>