للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حمل أصحاب القول الأول النهي على الكراهة، والذي يظهر من كلام أهل العلم أن الصارف له عن التحريم القرائن التالية:

القرينة الأولى: ورود النص، وفيها فِعلُ النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنهي عنه.

وذلك في حديث عبد الله بن زيد، فكان فِعله -صلى الله عليه وسلم- بياناً لجواز الاستلقاء، ومحمول على حال عدم الانكشاف.

قال النووي -رحمه الله-: «ويُحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- فعله لبيان الجواز» (١).

جاء في (البحر المحيط): «وللفقهاء في مثل ما مثَّلنا به طريقة أخرى لم يذكرها أهل الأصول هنا، وهو حَمْل الأمر على الندب والنهي على الكراهة، وجعْل الفعل بياناً لذلك، أو حمْل كلٍّ من القول والفعل على صورة خاصة لا تجيء في الأخرى: كالاستلقاء: منهيٌّ عنه إذا بدت منه العورة، وجائز إذا لم تبدُ منه، إلى غير ذلك من الصور التي يمكن الجمع فيها بين القول والفعل» (٢).

القرينة الثانية: فِعل الصحابة -رضي الله عنهم- للمنهي عنه.

وذلك فيما رُوي عن عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فدل فِعلهم على أنهم فهموا أن النهي عنه ليس للتحريم، لأنهم شاهدوا أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقواله وأفعاله، وهم أهل اللغة، فكانوا أفهم لمراد خطابه.

الحكم على القرينة:

فِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- من القرائن النصية القوية التي يُحمل بها النهي على الكراهة؛ فهي قرينة قوية في أصلها ومعتبرة؛ لدلالتها على بيان الجواز، أما قرينة فعل الصحابة (رضوان الله عليهم): فإنها معتبرة؛ لموافقتها لفِعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله تعالى أعلم.


(١) المنهاج شرح صحيح مسلم (١٤/ ٧٨)، ويُنظر: شرح المشكاة، للطيبي (١٠/ ٣٠٧٠).
(٢) (٦/ ٥٢).

<<  <   >  >>