للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العاتق.

القرينة الثانية: ورود النص وفيه فِعله -صلى الله عليه وسلم-.

وذلك في حديث ميمونة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى في ثوب واحد: بعضه عليه، وبعضه عليها، فدل أنه كان متزراً به.

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «احتمل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- … ، أن يكون اختياراً، واحتمل أن يكون لا يجزيه غيره، فلما حكى جابر ما وصفت، وحكت ميمونة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي في ثوب واحد: بعضه عليه، وبعضه عليها.

دل ذلك على أنه صلَّى -فيما صلى فيه من ثوبها- مُؤتزراً به؛ لأنه لا يستره أبداً إلا مُؤتزراً به إذا كان بعضه على غيره، فعلمنا أن نهيه أن يصلى في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء اختيارا، وأنه يجزي الرجلَ والمرأةَ كلَّ واحد أن يصلي متواريي العورة» (١).

القرينة الثالثة: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

قال النووي -رحمه الله-: «النهي في الحديث نهي كراهة تنزيه لا تحريم، فلو صلى مكشوف العاتقين صحت صلاته مع الكراهة» (٢).

وجاء في (الفواكه الدواني): « … لأن النهي للتنزيه» (٣).

قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: «هذا النهي مُعلَّل بأمرين:

أحدهما: أن في ذلك تعري أعالي البدن، ومخالفة الزينة المسنونة في الصلاة.

والثاني: أن الذي يفعل ذلك: إما أن يشغل يده بإمساك الثوب أو لا، فإن لم يشغل خِيف سقوط الثوب وانكشاف العورة، وإن شغل كان فيه مفسدتان: إحداهما: أنه يمنعه من الإقبال على صلاته والاشتغال بها. الثانية: أنه إذا شغل يده في الركوع والسجود لا يُؤمن من سقوط الثوب وانكشاف العورة» (٤).

الحكم على القرينة:

الأصل أن القرائن النصية من أقوى القرائن الصارفة: فالقرينة الأولى قوية ومعتبرة؛ لثبوتها وصحتها، ولكونها جاءت في بيان الرخصة، أما القرينة الثانية: فهي قوية


(١) الأم (١/ ١٠٩).
(٢) المجموع (٣/ ١٧٥).
(٣) (١/ ١٢٩).
(٤) إحكام الأحكام (١/ ٣٠١).

<<  <   >  >>