للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالخيلاء، وأما إن كان لغير الخيلاء فيحمل النهي على الكراهة (١).

نوقش من وجهين (وهو ماجاء في جواب مناقشة أدلة القائلين بالتحريم).

واستدلوا على حمل النهي على الكراهة إن لم يقصد الخيلاء، بأدلة الترخص فيه:

الدليل الأول: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ)) (٢).

وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخَّص لأبي بكر في ذلك؛ إذ كان جَرُّه لغير الخيلاء، وأن قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: (لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ): فيه تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء، وقد يكون لغيره (٣).

نُوقش من وجهين (٤):

الأول: بأنه ورد في الحديث ما يفيد أن أبا بكر -رضي الله عنه- لم يسبل إزاره قصداً؛ وإنما كان يشده على قدره، ولكن أحد شقي إزاره كان يسترخي عرَضاً، فكأنّ شده كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختياره لنحافة جسمه؛ ولذلك كان يتعاهده، فإذا سقط إزاره جَرَّه، فرخص له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وعذره.

الثاني: أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ): فيه أنه لا حرج على مَنْ انجر إزاره بغير قصده مطلقاً.

الدليل الثاني: استدلوا بأثرٍ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه ترخص في الإسبال:

فعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: ((أنه كان يسبل إزاره، فقيل له في ذلك، فقال: إني رجل حَمْشُ (٥) الساقين)) (٦).

نُوقش: بأن فِعل ابن مسعود -رضي الله عنه- محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب،


(١) يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (٢/ ١١٦)، (١٤/ ٦٢ - ٦٣).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب من جر إزاره من غير خيلاء (٧/ ١٤١) برقم: (٥٧٨٤).
(٣) يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (٢/ ١١٦)، نيل الأوطار (٢/ ١٣٣).
(٤) يُنظر: معالم السنن (٤/ ١٩٦)، فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٢٥٥)، (١٠/ ٢٦٣).
(٥) حَمْشُ الساقين: أي: دقيقهما. يُنظر: الصحاح (٣/ ١٠٠٢)، النهاية في غريب الحديث والأثر (١/ ٤٤٠).
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ١٦٦) برقم: (٢٤٨١٦)، حسن إسناده ابن حجر في (فتح الباري) (١٠/ ٢٦٤).

<<  <   >  >>