للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بآدابها، وعلى أكمل الأحوال» (١).

وقال ابن حجر -رحمه الله-: «الحكمة في هذا الأمر تُستفاد من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) أي أنه: في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده، واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه، … قال النووي: نبَّه بذلك على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئاً لكان محصلاً لمقصوده؛ لكونه في صلاة» (٢).

القرينة الثانية: وروده في باب الأدب والإرشاد.

ذلك أن النهي عن الاستعجال والإسراع عند الذهاب للصلاة فيه حثٌّ على الأدب، وإرشاد إلى تحصيل مصلحة الصلاة ومقصدها وهو الخشوع، وهو سنة باتفاق الفقهاء (٣)، فنُهي عن الإسراع؛ لأنه مُخل بالخشوع؛ لما يقع فيه من التشويش وضيق النفس، واستُحب له المشي بسكينة ووقار.

قال القرطبي -رحمه الله-: «ذلك أنه إذا أسرع انبهر (٤)، فتشوّش عليه: دخوله في الصلاة، وقراءتها، وخشوعها» (٥).

وقال الطحاوي -رحمه الله-: «كذلك نأمر الذي يأتي للصلاة بالمشي على هيئته، لا يأتيها وقد حصره النفس الذي شغله عنها، وتقطعت عما أُمر به فيها» (٦).

الحكم على القرينة:

قرينة التعليل قوية ومعتبرة؛ فقد جاءت في نص ثابت من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقوية في دلالتها على علة النهي، ولا معارض لها، والقرينة الثانية أيضاً معتبرة؛ لاعتبار


(١) (٥/ ٩٩).
(٢) فتح الباري (٢/ ١١٨).
(٣) اتفق الفقهاء على أن الخشوع سنة. يُنظر: البحر الرائق (٢/ ١٥)، حاشية الطحطاوي (ص: ٣٤١)، الذخيرة (٢/ ٢٣٥)، نهاية المحتاج (١/ ٥٤٧)، الفروع (٢/ ٢٥١)، كشاف القناع (١/ ٣٩٢). وحكاه النووي -رحمه الله- إجماعاً، حيث يقول: «أجمع العلماء على استحباب: الخشوع والخضوع في الصلاة، وغض البصر عما يلهي، وكراهة الالتفات في الصلاة». المجموع (٣/ ٣١٤).
(٤) البُهْر -بالضم-: تَتابُع النفس، وبالفتح المصدر، يُقال: بهره الحمل يبهره بهراً، أي: أوقع عليه البهر فانبهر، أي: تتابع نفسه. يُنظر: الصحاح (٢/ ٥٩٨)، لسان العرب (٤/ ٨٢).
(٥) المفهم (٢/ ٢١٩)، ويُنظر: حاشية الطحطاوي (ص: ٣٦٠).
(٦) أحكام القرآن، للطحاوي (١/ ١٥١).

<<  <   >  >>