للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرينة الثانية: فِعل الصحابة (رضوان الله عليهم) للمنهي عنه.

ذكر بعض أهل العلم آثاراً عن الصحابة بأنهم مشوا في نعل واحد، ففِعلهم دليل على أنهم فهموا أن النهي ليس على ظاهره، وأنه للتنزيه (١)، وفي ذلك إشارة إلى أن فِعل الصحابي للمنهي عنه قرينة صارفة؛ فالصحابة شهدوا التنزيل، وشاهدوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعايشوا أحواله وأقواله وأفعاله، فهم أعرف بالخطاب، وأفهم للمراد منه.

من ذلك ما نقله ابن مفلح (٢) والبُهوتي (٣) (٤) -رحمهما الله- أنه: ((مشى عليٌّ في نعل واحدة)) (٥)، و ((مشت عائشة في خف (٦) واحد)) (٧).

وحديث عائشة -رضي الله عنها- المتقدم، والذي حكت فيه مشي النبي -صلى الله عليه وسلم- في نعل واحدة، تبيَّن في تخريجه أن من أهل العلم مَنْ رجح وقفه على عائشة، فإن كان كذلك فإنه يكون من جنس قرينة فِعل الصحابي، والله أعلم.

القرينة الثالثة: ورود النهي في باب الأدب والإرشاد.

فالعلماء حملوا النهي على الكراهة والتنزيه؛ لأنه نهي أدب وإرشاد.

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: «نهيُه -صلى الله عليه وسلم- عن المشي في نعل واحدة نهي أدب لا نهي تحريم، والأصل في هذا الباب أن كل ما كان في ملكك فنُهيت عن شيء من تصرفه والعمل به، فإنما هو نهي أدب؛ لأنه ملكك، تتصرف فيه كيف شئت، ولكن التصرف على سنته لا


(١) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٣١٠).
(٢) الفروع (٢/ ٨٢).
(٣) هو: منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس، الشهير بالبُهوتي، المصري الحنبلي، وُلد سنة ١٠٠٠ هـ، كان عالماً عاملاً ورعاً، متبحراً في العلوم الدينية، صارفاً أوقاته في تحرير المسائل الفقهية، انتهى إليه التدريس والفتوى، ومن مؤلفاته: «كشاف القناع شرح الإقناع» و «حاشية على الإقناع» و «دقائق أولي النهى في شرح المنتهى» و «حاشية على المنتهى» و «شرح زاد المستقنع» سماه «الروض المربع» وغيرها، تُوفي سنة ١٠٥١ هـ. يُنظر: خلاصة الأثر (٤/ ٤٢٦)، ديوان الإسلام (١/ ٢٧١)، تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة (٣/ ١٥٥٦).
(٤) كشاف القناع (١/ ٢٨٤).
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ١٧٦) برقم: (٢٤٩٢٨).
(٦) الخُفُّ: واحد الخفاف: التي تُلبس في الرجل، ويُجمع أيضاً على: أخفاف، وتخفف الرجل إياه: لبسه. يُنظر: الصحاح (٤/ ١٣٥٣)، تاج العروس (٢٣/ ٢٣٣).
(٧) أخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ١٧٦) برقم: (٢٤٩٣٠).

<<  <   >  >>