للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القليل، والأصل في النهي المجرد عن القرينة التحريم، ولأن فيه تنجيساً للماء الطاهر، فلولا أن القليل من الماء ينجس بالاغتسال بنجاسة الغسالة لم يكن للنهي معنى، لأن إلقاء الطاهر في الطاهر ليس بحرام، أما تنجيس الطاهر فحرام فكان هذا نهيا عن تنجيس الماء الطاهر بالاغتسال، إذ بدن الجنب به نجاسة تقديرية، وذا يقتضي التنجيس به، فيفسده ويحرم استعماله على غيره (١).

يمكن أن يُناقش: بأن النهي عام في القليل والكثير، وأن الماء لا يتنجس بمجرد ذلك؛ للإجماع على أن بدن الجنب طاهر (٢).

الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ)) (٣).

وجه الاستدلال: أن اقتران النهيين في الحديث يقتضي التسوية، فيدل على أن الغُسل فيه كالبول فيه، والنهي عنهما للتحريم (٤).

نوقش: أن دلالة الاقتران ضعيفة، وعلى تقدير تسليمها: فلا يلزم التسوية، فيكون النهي عن البول؛ لئلا ينجسه، وعن الاغتسال فيه؛ لئلا يسلبه الطهورية، ويزيد ذلك وضوحا قوله (يتناوله تناولا) فدل على أن المنع من الانغماس فيه لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به، والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره (٥).

سبب الاختلاف:

هو اختلاف الفقهاء في علة النهي عن الاغتسال في الماء الدائم: فالقائلون بالتحريم قالوا: العلة هي الاستخباث وتنجيس الماء بالملاقاة، والقائلون بالكراهة منهم مَنْ قال: العلة هي صيرورة الماء مستعملاً، ومنهم مَنْ قال: العلة هي الاستقذار، وعيافة النفس.


(١) يُنظر: بدائع الصنائع (١/ ٦٨)، البحر الرائق (١/ ٩٩).
(٢) نقل الإجماع النووي في (المجموع) (٢/ ١٥٠)، وابن تيمية في (الفتاوى الكبرى) (١/ ٢٢٦).
(٣) سبق تخريجه: ص (٥٠).
(٤) يُنظر: المبسوط، للسرخسي (١/ ٤٦)، البحر الرائق (١/ ٩٩).
(٥) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١/ ٣٤٧).

<<  <   >  >>