للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضاً لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر بجمع المتساقط ولا باستعماله (١).

الدليل الثالث: عن عبد الله بن سَرْجِسَ (٢) -رضي الله عنه- قال: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ، وَلَكِنْ يَشْرَعَانِ جَمِيعاً)) (٣)، ودليل التخصيص بما خلت به: ما رُوي عن عبد الله بن سرجس -رضي الله عنه- قال: ((لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبْهُ)) (٤).

وجه الدلالة: أن الحديث ظاهر في المنع من فضل طهور المرأة، ويدل قول عبد الله بن سرجس على تخصيص المنع بما خلت به المرأة (٥).

نُوقش: بأن الحديث موقوف، ولا يصح رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- (٦).

وحديثي حميد وابن سرجس ورد فيهما نهي المرأة عن فضل الرجل، ولم يقل به أحد!.

أدلة القول الثالث:

استدل القائلون بالكراهة بأدلة النهي التي استدل بها القائلون بالتحريم، وحملوا النهي على الكراهة للقرينة الصارفة، وهي أدلة القائلين بالجواز؛ جمعاً بين الأدلة (٧).

نُوقش: بأن أحاديث النهي مضطربة، وأحاديث الإباحة أصح، فالقول بها أولى.

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: «الآثار في الكراهية في هذا الباب مضطربة لا تقوم بها حجة،


(١) نقل النووي في (المجموع) (١/ ١٥٤) عن إمام الحرمين قوله: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- احتاجوا في مواطن من أسفارهم الكثيرة إلى الماء، ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى».
(٢) هو: عبد الله بن سَرْجِس المزني، حلف في بني مخزوم، أكل مع النبي خبزاً ولحماً، واستغفر له، عداده في البصريين، روى عنه عاصم الأحول، تُوفي بالبصرة سنة نَيِّفٍ وثمانين للهجرة. يُنظر: أسد الغابة (٣/ ٢٥٧)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٣٤)، الإصابة (٤/ ٩٢).
(٣) أخرجه ابن ماجه، أبواب الطهارة وسننها، باب النهي عن ذلك برقم: (٣٧٤)، (١/ ٢٤٤) وقال: «هذا وهم، والصحيح حديث الحكم بن عمرو»، قال البوصيري في (مصباح الزجاجة) (١/ ٥٦): «قال البيهقي في السنن الكبرى: بلغني عن أبي عيسى الترمذي عن البخاري أنه قال حديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب الصحيح موقوفاً ومَن رفعه فقد أخطأ».
(٤) أخرجه عبد الرزاق (١/ ١٠٧) برقم: (٣٨٥)، وهو حديث موقوف، انفرد به المصنف من هذا الطريق.
(٥) يُنظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (١/ ١١٨)، مطالب أولي النهى (١/ ٢٨).
(٦) يُنظر: معالم السنن (١/ ٤٢).
(٧) يُنظر: الشرح الكبير (١/ ٨٤)، فتح الباري، لابن حجر (١/ ٣٠٠).

<<  <   >  >>