كَانَ تَحْصِيلَ زَادِهِمْ لِمَعَادِهِمْ فِي الْفَقْرِ، وَالْغِنَى، وَالْحَرَكَةِ، وَالسُّكُونِ.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذِهِ الْحَالَةُ اُخْتُصَّ بِهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ عَجَزَ غَيْرُهُمْ عَنْهَا انْتَهَى.
يَعْنِي فِي الْغَالِبِ فَقَلَّ أَنْ تَجِدَ مَنْ اشْتَغَلَ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إلَّا أَضَرَّ بِالْآخَرِ، يَعْنِي مَنْ اشْتَغَلَ بِالدُّنْيَا أَضَرَّ بِالْآخِرَةِ، وَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْآخِرَةِ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَمْعُك بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ عَجِيبٌ فَإِذَا اتَّصَفَ الطَّالِبُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ التَّفَاوُتُ لِمَنْ زِيدَ لَهُمْ فِي الْمَعْلُومِ، أَوْ نُقِصَ، وَكَذَلِكَ يَتَسَاوَى عِنْدَهُ مَوَاضِعُ الْجُلُوسِ فِي الِارْتِفَاعِ، وَالِانْخِفَاضِ، كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَحَيْثُ أَجْلَسَهُ اللَّهُ جَلَسَ، وَمَا سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ رَضِيَهُ، وَشَكَرَهُ، وَمَا مَنَعَهُ مِنْهُ حَمِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَرَآهُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَطَاءً، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ حَالِهِ انْتَفَتْ عَنْهُ الشَّوَائِبُ الْمَذْمُومَةُ، وَبَقِيَ الْعِلْمُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا صَارَ الْعِلْمُ كَذَلِكَ، وَصَحِبَهُ الْعَمَلُ بِهِ جَاءَ مِيرَاثُهُ الْعَاجِلُ، وَهُوَ الْخَشْيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] ، وَإِذَا حَصَلَتْ الْخَشْيَةُ قَوِيَ الرَّجَاءُ فِي الْقَوْلِ، وَأَنَّهُ مَاشٍ عَلَى مِنْهَاجِ السَّلَامَةِ، وَالْغَنِيمَةِ فِيمَا أَخَذَ بِسَبِيلِهِ، وَعَكْسُ هَذَا الْحَالِ فِي النَّقِيضِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَمَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ فَلْيَنْسِجْ عَلَى مِنْوَالِ مَنْ مَضَى، فَالْخَيْرُ بِحَذَافِيرِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَبِأَحْوَالِهِمْ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ بِمُحَمَّدٍ، وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِمْ، وَسَلَّمَ.
وَأَصْلُ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ فِي تَعْلِيمِهِ، وَهُوَ آكَدُ مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢] فَإِذَا اتَّصَفَ الْمُتَعَلِّمُ بِالتَّقْوَى كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُعَلِّمَهُ، وَهَادِيَهُ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَلِّمَهُ، وَهَادِيَهُ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] ، وَهَذَا لَفْظٌ عَامٌّ فَقَدْ يَحْصُلُ لِلْمُتَعَلِّمِ نَفَائِسُ مِنْ الْمَسَائِلِ لَا تُؤْخَذُ بِالدَّرْسِ، وَلَا بِالشُّيُوخِ لِأَجْلِ مَا حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute