للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَخَطَ اللَّهِ، وَإِنْ سَرَّك، وَأَنْ تَدَعَ كَرَاهِيَتَهُ، وَإِنْ أَعْجَبَتْك، وَأَنْ تُؤْثِرَ مَا هُوَ لَهُ، وَإِنْ سَاءَك، وَأَنْ تَرْغَبَ فِيمَا رَغَّبَك، وَتَزْهَدَ فِيمَا زَهَّدَك، وَأَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ إمَامَك وَدَلِيلَك.

فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: قَدْ دَلَلْتنِي عَلَى الْعَمَلِ فَعَرَفْت، وَعَرَفْت فَآمَنْت فَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ مُؤْنَةٍ، وَلَا عَظِيمُ مَشَقَّةٍ بَلْ خِفَّةٌ، وَرَاحَةٌ مَعَ مَا اسْتَزَدْت بِهِ هِدَايَةً، وَبَصِيرَةً، وَمَعْرِفَةً، فَلَمَّا صِرْت إلَى الْعَمَلِ بِهِ لِزَمَنِي فِي ذَلِكَ مُؤْنَةٌ شَدِيدَةٌ، وَثُقْلٌ كَبِيرٌ حَتَّى حَالَ بَيْنِي، وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ لَذِيذِ عِيشَتِي، وَنَعِيمِ دُنْيَايَ، وَحَمَلَنِي عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَصَرَفَنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السُّرُورِ فَصِفْ لِي أَمْرًا أَقْوَى بِهِ عَلَى الْعَمَلِ فِيمَا آمَنْت بِهِ فَقَدْ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ مُؤْنَتُهُ، وَثَقُلَ عَلَيَّ احْتِمَالُهُ.

فَقَالَ: الْأُمُورُ الَّتِي تَقْوَى بِهَا عَلَى الْعَمَلِ وَالْأَدَبِ: الصَّبْرُ الَّذِي هُوَ تَمَامُهُ وَقِوَامُهُ فَإِنَّك إنْ صَبَرْت انْتَفَعْت بِعِلْمِك، وَبَلَغْت مِنْهُ رِضْوَانَ اللَّهِ، وَقَوِيت فِيهِ عَلَى الْعَمَلِ، وَلَيْسَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الْخَيْرِ إلَّا، وَلِلصَّبْرِ فِيهِ عَمَلٌ، وَبِهِ تَمَامُهُ فَبِالصَّبْرِ قَوِيَ الْعِبَادُ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَالْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ، وَبِالصَّبْرِ قَوُوا عَلَى اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ، وَبِالصَّبْرِ بَلَغُوا الْغَايَةَ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ، فَإِذَا صَبَرْت عَلَى الْعَمَلِ انْتَفَعْت بِالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ، وَإِنَّك إنْ لَمْ تَصْبِرْ لَمْ تَعْمَلْ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ لَمْ تَنْتَفِعْ بِالْإِيمَانِ بِمَا عَلِمْت، وَمَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْعَمَلُ، وَمَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالْعَمَلِ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ الْعَقْلُ فَرَأْسُ أَمْرِ الْعِبَادِ الْعَقْلُ، وَدَلِيلُهُمْ الْعِلْمُ، وَنُورُهُمْ الْإِيمَانُ، وَسَائِقُهُمْ الْعَمَلُ، وَمُقَرِّبُهُمْ الصَّبْرُ فَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الصَّبْرِ ضَعُفَ، وَمَنْ ضَعُفَ لَمْ يَعْمَلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ أَمْرُهُ وَنُورُهُ، وَبَقِيَ فِي ظُلْمَةٍ، وَمَنْ ذَهَبَ عَنْهُ النُّورُ عَمِيَ، وَحَادَ عَنْ الطَّرِيقِ، وَمَنْ لَمْ يُبْصِرْ فَلْيَتَّبِعْ الدَّلِيلَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَمَنْ اتَّبَعَ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ النَّجَاةُ مِنْ الْهَوْلِ الْعَظِيمِ، وَعَمِلَ لَهُ، وَصَبَرَ عَلَيْهِ صَارَ إلَى غَايَةِ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ بَصَّرْتَنِي مِنْ فَضْلِ الصَّبْرِ قُوَّتَهُ، وَعَلَّمْتَنِي مَا رَغَّبَنِي فِيهِ، وَقَوَّانِي عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مَعَ ثِقَلِهِ عَلَيَّ فَصِفْ لِي أَمْرًا أَزْدَادُ بِالصَّبْرِ تَبَصُّرًا، وَفِيهِ رَغْبَةً، وَعَلَيْهِ حِرْصًا فَقَالَ: صَبْرُك عَلَى الطَّاعَةِ، وَطَلَبُك لَهَا، وَهَرَبُك مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَبَلِيَّتِهَا هُوَ الَّذِي يُرَغِّبُك فِي الطَّاعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>