وَيُبَيِّنُ لَك فَضْلَهَا قَالَ: قَدْ شَرَحْت لِي أَمْرَ الصَّبْرِ، وَفَضْلَهُ فَزِدْنِي بِهِ تَبَصُّرًا فَقَالَ لَهُ: هَذَا الدَّلِيلُ، وَالْإِمَامُ كِتَابُ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُبَيِّنُ لَك فَضْلَ الصَّبْرِ، وَيُرَغِّبُك فِي لُزُومِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى وَصَفَ أَعْمَالَ الْعِبَادِ، وَذَكَرَ ثَوَابَهُمْ فَلَمْ يَذْكُرْ ثَوَابًا يَعْدِلُ ثَوَابَ الصَّبْرِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يُوَفَّوْنَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابِ فَهُوَ الدَّلِيلُ عَلَى فَضْلِ الصَّبْرِ مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ ثَوَابِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ لَهُ: صَاحِبُهُ قَدْ دَلَّنِي الْعِلْمُ وَكِتَابُ رَبِّي عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ فَضْلِ الصَّبْرِ وَثَوَابِهِ؛ فَزَادَنِي بِفَضْلِهِ تَبَصُّرًا، وَازْدَدْت عَلَيْهِ حِرْصًا، وَفِيهِ رَغْبَةً، وَبِهِ تَمَسُّكًا، وَعَلَيْهِ اعْتِمَادًا مَعَ شِدَّةٍ مِنْهُ عَلَيَّ، وَثِقَلٍ، وَصَبْرٍ عَلَى خِلَافِ مَا أَشْتَهِي، وَحَمْلِ نَفْسِي عَلَى مَا أَكْرَهُ لِطَلَبِي فِيهِ الْأَجْرَ، وَالْفَضْلَ، وَابْتِغَاءَ الْعَمَلِ وَالْأَدَبِ.
فَصِفْ لِي أَمْرًا يَخِفُّ بِهِ عَلَيَّ مُؤْنَةُ الصَّبْرِ، وَيَسْهُلُ عَلَيَّ لُزُومُهُ، وَيَخِفُّ عَلَيَّ احْتِمَالُهُ، وَتَذِلُّ صُعُوبَتُهُ فَقَالَ لَهُ: أَرَاك لِلْخَيْرِ مُرِيدًا، وَلِلْفَضْلِ طَالِبًا، وَعَلَيْهِ حَرِيصًا، وَتُحِبُّ أَنْ تَكُونَ قَدْ قَوِيت عَلَى مَا دَلَّكَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِنَفَاذٍ مِنْ الصَّبْرِ، وَقُوَّةٍ مِنْ الْعَمَلِ، وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّعَادَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا ازْدَادَ عِلْمًا، وَفِيهِ تَفَهُّمًا ازْدَادَ لِلْخَيْرِ طَلَبًا، وَعَلَيْهِ حِرْصًا فَخَفَّ عَلَيْهِ الثَّقِيلُ، وَقَرُبَ عَلَيْهِ الْبَعِيدُ، وَلَهَا فِي الدُّنْيَا عَمَّا يُرِيدُ.
وَإِنَّمَا الثِّقَلُ وَالْعُسْرُ تِمْثَالُ الدُّنْيَا فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، وَهِيَ مَرْصَدُ إبْلِيسَ، وَسِلَاحُهُ فَإِذَا قَطَعَ عَنْهُ ذَلِكَ اسْتَنَارَ الْقَلْبُ، وَخَرَجَتْ الظُّلْمَةُ مِنْهُ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ بِهِ احْتِمَالُ قُوَّةٍ، وَلَا لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، وَوَصَلَ مِنْ الْأَمْرِ إلَى مَا يُرِيدُ فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي مَا يُسَهِّلُ بِهِ عَلَيَّ ثِقَلَ احْتِمَالِ الصَّبْرِ، وَيُخَفِّفُهُ عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ: الْأَمْرُ الَّذِي يُسَهِّلُ عَلَيْك ثِقَلَ احْتِمَالِ الصَّبْرِ، وَيُخَفِّفُهُ عَلَيْك الرِّضَا عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى بِكُلِّ مَا صَنَعَ بِك، وَاخْتَارَهُ لَك، وَسَاقَهُ إلَيْك فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: فَأَوْضِحْ لِي كَيْفَ يَهُونُ عَلَيَّ مُؤْنَةُ الصَّبْرِ بِرِضَائِي عَنْ اللَّهِ، وَيُخَفَّفُ عَلَيَّ احْتِمَالُهُ؟ فَقَالَ: أَلَسْت تَعْلَمُ أَنَّك إنَّمَا انْتَسَبْت إلَى الرِّضَا، وَسَمَّيْته صَبْرًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي نَزَلَ بِك مَكْرُوهٌ عَلَيْك وَإِنَّ هَوَاك، وَنَفْسَك يُنَازِعَانِك إلَى غَيْرِهِ فَاحْتَجْتَ إلَى الصَّبْرِ فَتَدَبَّرْت، وَاعْتَبَرْتَ فَصِرْت مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute